رأي

مأساة مزدوجى الجنسية! 

 

علي عسكوري

عادت إلى السطح مرة أخرى قضية مزدوجى الجنسية مع تعديل الوثيقة الدستورية قبل عدة أيام.

انا احد مزدوجي الجنسية ولكننى لا اكتب دفاعا عن نفسي، فليس هنالك ما يتطلب دفاعي، انما عن ملايين السودانيين الذين عصف بهم نظام الانقاذ ففرروا من بلادهم يبحثون عن ملجأ ومأمن لانفسهم ولاسرهم. اتسع انتشار السودانيين في العالم هروبا من بطش الانقاذ من نيوزيلندا في اقصي جنوب شرق الكرة الارضية مرورا بأوروبا الى كلفورنيا في اقصي الغرب. وبلغ بعضهم دولتى شيلي والبرازيل في امريكا الجنوبية.

لا اكتب دفاعا عن حق هولاء في تولى المناصب العامة، وهو حق مشروع لهم، انما لدحض الاتهام الضمنى غير المعلن بأنهم (خونة) لا ولاء لهم لبلدهم الاصلي..!

ومهما تحذلق من يدبجون المقالات وحاولوا اخفاء التهمة التى يلمحون لها ضمنيا، فأى قاريء – حتى لو لم يكن فطنا- يمكنه فهم ما يرمي له كتاب المقالات، اذ لو لم يكن هناك طعنا في وطنية تلك المجموعات وانتمائهم لوطنهم لما تجشم اى كاتب تدبيج مقال متسآئلا عن ضرورة حرمان مزدوجى الجنسية من تولى المناصب العامة! بمعنى انه لو لم يكن هناك شك اساسي حول وطنيتهم لما اثير ذلك السؤال ابتداء!

 

للاسف لا توجد احصائيات دقيقية يمكن الاعتماد عليها عن عدد مزدوجي الجنسية، ولكن ان اخذنا عدد المهاجرين الاوائل وابنائهم بل حتى احفادهم فإننا دون شك نتحدث عن بضعة ملايين! كل هولاء يري بعض الكتاب انه (مشكوك) في وطنيتهم ويجب الحذر ثم الحذر منهم فولائهم لوطنهم يظل محل تسآؤل من وجهة نظر اولئك الكتاب!

 

في الحقيقة لم يكن السودانيون في اى يوم يتطلعون الى الحصول على جنسية بلد اخر منذ الاستقلال وحتى العام ١٩٨٩م. كان اصحاب الجنسيات المزدوجة عدد محدود جدا من ابناء المبعوثيين للدراسات العليا الذين ولدوا في بريطانيا او امريكا التين كانت قوانينهما تسمح بحق اى طفل مولود على اراضيمها الحصول على جنسيتها بالميلاد (مثلا انجلترا حتى ١٩٨٣)! يضاف لهولاء عدد قليل جدا ساقتهم ظروف الحياة للهجرة الى الغرب. لم يكن عدد هولاء جميعا ( مولودون او مهاجرون) يزيد على بضع مئات فقط. حتى جاء انقلاب الانقاذ العام ١٩٨٩.

 

كان نظام الانقاذ اول من عدل دستور السودان ليسمح للاجانب بالحصول على الجنسية السودانية بطريقة في غاية التساهل وذلك لاستيعاب وحماية ارهابيي منظمة القاعدة الذين استقبلتهم الانقاذ. تلى ذلك ان نظام الانقاذ لاحظ ان الكثيرين من قياداته لهم جنسيات بلدان اخري، خاصة الكندية والبريطانية والامريكية وغيرها، فقام بتعديل الدستور ليسمح بإزدواج الجنسية للسودانيين ليمكن العديد من قيادته لشغل مناصب قيادية في الدولة.

تنص المادة (٧-٤) من دستور ٢٠٠٥ على حق اى سودانى في الحصول على جنسية اى بلد آخر.

 

ظل السودانيون بالخارج يحتجون و يتظاهرون ضد نظام الانقاذ لثلاثين عاما حسوما. كثيرون منهم ماتوا ودفنوا في بلاد بعيدة لم يتمكنوا حتى من زيارة بلدهم ووداع اسرهم واقربائهم واصدقائهم لثلاثة عقود، رحلوا بحسرة كبيرة داخلهم. واصل رفاقهم النضال ضد الانقاذ حتى سقطت. بعضهم عاد بعد سقوطها لزيارة اهله وبعضهم لم يعد ربما لاسباب صحية بعد ان تقدم بهم العمر، لكنهم على كل حال لم يصمتوا ابدا ضد انتهاكاتها وجرائمها في دارفور التى تولتها المحكمة الجنائية!

لذلك لا يحتاج مزدوجي الجنسية لاحد ليمنحهم صك وطنية! وهم بأى حال ليسوا اقل وطنية من الاخرين! وان كان الحال هو تشكيك وتلميح مستتر بضعف الانتماء او الخيانة، يمكن في الجانب الآخر لمزدوجي الجنسية الزعم ايضا ان من عاش وشارك في الانقاذ واكتنز المال تحت سلطتها وصمت عن انتهاكاتها الجسيمة ضد حقوق الانسان انه فاسد لا يحق له تولى اى منصب عام!

 

بينما حميدتي، عبد الرحيم، عمر الدقير، خالد سلك، مريم الصادق، صديق الصادق، جعفر سفارات ود الفكي وغيرهم يتآمرون على تدمير البلاد واشعال الحروب فيها رغم انهم لا يحملون جنسية مزدوجة فيما نعلم، في ذات الوقت يخرج عشرات الالاف من مزدوجي الجنسية في لندن، بروكسل، بون، واشنطن نيويورك باريس، جنيف، ايرلندا، مدافعين عن بلادهم بحمية غير مسبوقة! مالكم كيف تحكمون.

يضاف لذلك التزام مزدوجي الجنسية بارسال الاطباء المتطوعين والادوية وغيرها من المعينات الى السودان! أكثر من ذلك عاد عشرات الشباب من غرب اوروبا للمشاركة في القتال والدفاع عن البلاد!

كل تلك المواقف الوطنية لم يهتم بها الذين في عيونهم غشاوة او اصحاب غرض…! مالكم كيف تحكمون! تفضيل قيادات المليشيا وسدنتها من جماعة قحت/ تقدم الذين يدمرون البلاد على حملة الجنسية المزدوجة الذين تولوا الدفاع عن بلادهم في الخارج، امر لا يقبله عقل ولا يقول به عاقل!

ليس الصادم هو حرمان اصحاب الجنسية المزدوجة من تولى المناصب العامة، رغم ان ذلك من حقهم الدستورى، لكن المؤلم هو النظرة التخوينية لمزدوجيي الجنسية التى يلمح لها البعض في كتاباته وان لم يمتلك الشجاعة ليقولها صراحة!!

ختاما، لن ينصلح حال بلادنا الا باحترام الدستور وطالما اقر الدستور ان مزدوجي الجنسية يتمتعون بكامل الحقوق مثل غيرهم من المواطنيين، لا يحق لاحد مهما كان الطعن في انتمائهم لوطنهم او حرمانهم من حقوقهم الدستورية، او تدبيج المقالات للتلميح بخيانتهم او ضعف انتمائهم او التشكيك بأنهم عملاء!

 

من يعانى من اوهام تعشعش في خياله حول مزدوجي الجنسية، عليه ان يتبع السبل القانونية والطعن في مواد الدستور التى تمنحهم كامل الحقوق والمطالبة بإلغائها وليس الاختباء وراء الجمل المطاطية والتعابير المرسلة في مخالفة للدستور!

ان مثل هولاء الكتاب يريدون من مزدوجي الجنسية التظاهر والاحتجاج في الخارج ولفت نظر العالم لما تقوم به المليشيا من جرائم، ثم بعد ان يقضوا منهم وطرا، ينقلبوا عليهم ليقولوا لهم انكم بلاحقوق بل مشكوك في انتمائكم ابتداء!

لماذا لم يكتبوا مثل ما كتبوا ليقولوا لهم عليكم الا تتظاهروا مطلقا، فما يجري في البلاد لا يعنيكم لانه اصبح مشكوكا في ولائكم، فانصرفوا لحالكم يرحمكم الله!

يجب الا تكون الحقوق الدستورية محل جدل ومزايدة سياسية، خاصة عندما يكون المستهدفين اكثر وطنية ممن يكتبون، لأن الذي يكتب ليفرق بين السودانيين ويطعن في انتماء الآخرين دون بينة يصبح مباشرة اقل وطنية منهم، فالتفريق بين المواطنيين وتسبيط همم السودانيين في الخارج وفركشة الصف الوطني من امضي الاسلحة لضرب الوحدة الحالية خاصة في الخارج!

 

وفيما نعلم ليس من بين كل اولئك الذين تظاهروا في الخارج من اجل بلادهم طلاب مناصب عامة! لماذا اذن التشكيك في انتمائهم وولائهم! لمصلحة من تدبج المقالات التشكيكية!!

ليس بوسع بلادنا حاليا ان تخسر جهود ابنائها في الخارج وليساعدنا بعض قصيري النظر بالصمت!!

 

*هذه الارض لنا*

 

نقلا عن “أصداء سودانية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى