في رده على عمر الدقير
كتب الهادي هباني :
مقال الدقير حول ما كتبه بركة ساكن حسب فهمي وتقديري ومن أول قراءة يعتبر كما هو معروف في علم النفس (بالإسقاط) والإسقاط أشكاله متعددة وهذا واحد من أهم أشكاله واسعة الانتشار. فكون الدقير يورد قصة ابن خلدون مع تيمورلنك والتي أوردها في مقاله ليس مقاربة ورداً على موقف بركة ساكن وإنما محاولة مبطنة لتبرير موقفه وموقف تقدم من الجنجويد ومن الجلوس مع أطراف الحرب والسعي لإيجاد تسوية معهم وهذا هو جوهر المقال ومحتواه الأساسي، وورود بركة ساكن مجرد عامل مساعد فقط لا غير. فليس هنالك وجه مقارنة أصلاً بين بركة ساكن وبن خلدون فبينما عاش وترعرع بركة ساكن مع الجماهير الكادحة ونشأ بينها وحمل فكرها وهمومها وعبّر عنها في كل كتاباته ومواقفه حتى اليوم ترعرع بن خلدون منذ نعومة أصابعه في القصور وبين مجالس الحكام ولم يشغله ذلك من العطاء الإنساني والفكري وقدم للعالم ما لا يقدر بثمن وهو مطبق حالياً في حياة الملايين من شعوب العالم المتقدم التي اختارت ما يطلق عليه اليوم ب(التنمية المستدامة).
الفرق الوحيد بين بن خلدون والدقير وأتباعه من تقدم وقحت والتسوويين أنه هو (ابن خلدون) الذي كتب بنفسه في كتاب كامل عن تاريخ حياته بعنوان (إبن خلدون ورحلته شرقاً وغرباً) بتفاصيل دقيقة وبكل ما دار في خيمة تيمورلنك خارج أسوار قلعة دمشق وقتها ولم نسمعه أو نقرأ عنه من أحد بل منه شخصياً حتى بما فيه الإيماءة وتقبيل اليد، كله سرده بن خلدون بتفصيل دقيق جداً وبدون تبرير أو تلوين أو زركشة حين قال ما نصَّه بالتفصيل: (… دخلت عليه فاتحت بالسلام وأوحيت إيماءة الخضوع، فرفع رأسه ومد يده فقبلتها، وأشار بالجلوس فجلست حيث إنتهيت …). أتمنى أن يقوى الدقير وقحت وتقدم وحمدوك نفسه على أن يكشفوا للناس بهذا القدر من التفصيل الدقيق الشفاف الصادق ما دار ويدور بينهم وبين حميدتي ومن ورائه حتى بما فيها طريقة السلام والحديث وينشروا تفاصيله بنفس شفافية بن خلدون للتاريخ وللدروس والعبر وليعرف الشعب السوداني والعالم حقيقة مواقفهم ونواياهم.
وبرغم أن بن خلدون حكى كل شئ بتفصيل في لقائه مع تيمورلنك إلا أن موقفه هذا لم يمنع هيغل وكارل ماركس، وآدم سميث، وديفيد ريكاردو، وكينز، وجون ناش، وبول كروغمان، ولافر صاحب نظرية (منحني لافر للضرائب) في الاستناد إلى ما قدمه في علم الاقتصاد وفي فلسفة الجدل ولم يشير أي واحد فيهم حتى ماركس، ومحمد إبراهيم نقد في مقالته الشهيرة (كيف حاصر الجمود أطروحات ماركس وأنجلز عن الاشتراكية) عام 2002م عن موقفه وما دار بينه وبين تيمورلنك الذي يعرفه العالم أجمع من بن خلدون نفسه قبل أن يسمعوه من غيره. ولعل الدقير في اتهامه ووصفه لموقف بن خلدون كان متأثراً تماماً بإبن عرفة شيخ الإفتاء في تونس في عصر بن خلدون والذي كان يكن العداء لابن خلدون ويكيد له المكايد غيرة من نبوغه وعلمه وتفوقه في مجالس العلم وتميزه في عطائه الفكري. أعتقد ما كتبه بركة ساكن صادقاً كحقيقة انتمائه الصادق للكادحين من جماهير الشعب وهو من صلبهم ومن بيئتهم ومن حواريهم وأزقتهم ولم يهادن أو يداهن وهو لا ينتظر شهادة من الدقير على عطائه وأدبه وإذا كان هنالك ما يمكن أن يقدمه الدقير لبركة ساكن ويجد منه التقدير هو أن يتحلى الدقير بنفس شجاعة وشفافية ابن خلدون ويحكي ما يدور في مجالسهم مع حميدتي ومن ورائه وخلفه بنفس التفاصيل الدقيقة فهذا هو الذي يمكن أن يجد التقدير من الناس كما وجد ابن خلدون و(على عكس اتهام الدقير له) الاحترام والتقدير في سرده لتفاصيل ما دار بينه وبين السفاح المغولي تيمورلنك الذي مارست قواته نفس الجرائم البشعة التي ترتكبها اليوم مليشيات الجنجويد في حق المدنيين والأبرياء من قتل واغتصاب وسرقة ونهب وتشريد واضطهاد.