في محاولة لتخفيف قبضة موسكو، لجأ رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى فوستين أرشانج توادرًا إلى محمد بن زايد. وبالمقابل، قد تتحول بلاده إلى مركز لوجستي لدعم الإمارات لقوات حميدتي في حرب السودان.
في خضم حملته الانتخابية للفوز بولاية ثالثة في انتخابات 28 ديسمبر، ينشغل رئيس أفريقيا الوسطى توادرًا أيضاً بهموم السياسة الخارجية. وتظل الشراكة مع روسيا الملف الأكثر حساسية، إذ تمارس موسكو ضغوطاً كبيرة منذ شهور لحمله على استبدال مجموعة فاغنر بقوات “فيلق أفريقيا” التابعة لوزارة الدفاع الروسية.
ولإدارة هذه المفاوضات الحساسة مع الكرملين، اتجه توادرًا إلى الإمارات بهدف جعلها شريكًا مميزًا جديدًا. ومن المتوقع أن يسافر الرئيس قريباً إلى أبوظبي لاستكمال اتفاق مالي وأمني مع الرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان.
أصبح محمد بن زايد وسيطًا غير رسمي بين بانغي وموسكو، لكن اهتمامه الرئيسي يتمثل في تعزيز مسارات نقل المعدات إلى قوات محمد حمدان دقلو (حميدتي). وقد سيطرت قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي على مدينة الفاشر في 26 أكتوبر، ونفذت خلالها إعدامات ميدانية ومجازر ضد المدنيين.
اجتماع ثلاثي في أبوظبي
وُضع أساس هذا التفاهم الثلاثي خلال زيارة عاجلة قام بها توادرًا إلى أبوظبي في 12 سبتمبر، حيث التقى محمد بن زايد الذي دعا في الخفاء مبعوثًا روسيًا، كما حضر الاجتماع ممثل لحميدتي هو طه عثمان أحمد الحسين، المستشار الشخصي لمحمد بن زايد وواحد من أقرب معاوني حميدتي، ويحمل عدة جنسيات (الكونغو الديمقراطية والسعودية والإمارات).
رغم أن طه الحسين خاضع لعقوبات أمريكية منذ عام 2023 لدوره في قوات الدعم السريع وزعزعة استقرار السودان، إلا أنه شارك في الاجتماعات لضمان انتقال توادرًا بعيداً عن محور الخرطوم الموالي لروسيا سابقاً. وحتى وقت قريب، كان توادرًا داعماً للبرهان الذي حظي بدعم موسكو.
كل طرف في هذا المشهد المعقد من التحالفات والمصالح المتبدلة يسعى لاستغلال الآخر، والجميع يدرك هشاشة التعهدات.
ومع ذلك، يأمل توادرًا في تخفيف الضغط الروسي والاستفادة من العرض الإماراتي.
فاتورة روسيا الثقيلة
تواجه أفريقيا الوسطى التزامًا ماليًا لا قدرة لها عليه؛ فوفق وثيقة سابقة، تطالب موسكو بانغي بدفع 15 مليون دولار شهريًا نقدًا، وهو مبلغ يمثل أكثر من نصف الميزانية المحلية لعام 2025، ما يهدد بانهيار الدولة المعتمدة أساسًا على المساعدات الدولية.
وبينما تُصر موسكو على مطالبها وتلوّح بالتهديدات، لجأ توادرًا إلى الإمارات، التي أبدت استعدادًا لمناقشة تسديد هذه الفاتورة، مقابل استخدام الإمارات لأراضي أفريقيا الوسطى كمركز لوجستي لدعم حميدتي، خصوصًا من منطقة بيراو شمال البلاد.
حتى الآن، كانت شبكات الإمداد تمر عبر شمال تشاد. وتخشى الإمارات اليوم اهتزاز الموقف السياسي لحليفها الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي، لذا تسعى لفتح محور بديل عبر أفريقيا الوسطى. كما وعدت أبوظبي باستثمارات في التعدين والطاقة وبناء مطار ومركز صيانة لطيران الإمارات في بانغي، إضافة لمحطة طاقة شمسية.
مخاوف أمنية وخيارات محدودة
تعتمد بانغي منذ 2017 على فاغنر في ملفات الأمن والاقتصاد. ويقود الشبكة في أفريقيا الوسطى ديمتري سيتي، الذي يسيطر على جهاز أمني واستخباراتي واسع، ويعدّ الشخصية الأقوى بعد مقتل بريغوجين.
ومع اقتراب نشر قرابة ألف جندي من “فيلق أفريقيا” مطلع 2026، يسعى سيتي لإعادة تموضع قواته نحو مناطق استراتيجية قرب حدود السودان وإعادة التركيز على التعدين.
توادرًا يخشى انهيار نظامه الأمني إذا ضعف نفوذ فاغنر، خاصة مع نشاط استخبارات موالية للبرهان داخل بانغي، ولذلك يسعى للحفاظ على دعم موسكو والإمارات معًا رغم تضارب مصالحهما.
ملخص جوهري
• توادرًا يبحث عن تمويل إماراتي لسداد كلفة القوات الروسية “فيلق أفريقيا”
• الإمارات تسعى لاستخدام أفريقيا الوسطى كمركز عبور لدعم حميدتي
• اجتماع ثلاثي ضم الإمارات وروسيا وممثل حميدتي في أبوظبي
• مخاوف من انهيار النظام في بانغي إذا انسحبت فاغنر دون بديل
• الإمارات تعد باستثمارات ومشاريع مقابل تسهيلات لوجستية

