يا أبناء دارفور ، إلام الخُلف بينكمو إلاما ؟!

هاشم الإمام محيي الدين

خطاب بعض الناشطين السياسيين من أبناء دارفور في منابر الميديا ومنصاتها خطاب عنصري بغيض ، يحض على الكراهية ، ويدعو بدعوى الجاهلية ، ومفردات لغته فاحشة بذيئةُ لا تكاد تخرج من منطقة ما بين السّرة والركبة أو ما يسميه الفقهاء ( العورة ) .
ومما يجعل الحليم حيران أنهم يشتمون بهذه اللغة القذرة أمهات بعضهم بعضاً ، فيصفونهنّ بالفجور والعهر والزنا ويصفون أبناءهنّ بأنهم أبناء الضيوف ! ما هذا الإسفاف ؟ وما هذا السخف يا أبناء دارفور ،أبناء حملة القران ؟ وما هذا الفحش ؟
إنّ شعوب العالم كلها تحترم الام ، وترفعها مكانا عليا ، فما بالكم تخرجون على ما اتفق عليه العقلاء من الناس ! اما ربينكم صغارا ؟ أما كابدن شظف العيش ومرارة الحرمان ليهيئن لكم حياة أفضل مما يعشن ؟ أيكون جزاؤهنّ التشنيع ، والطعن في شرفهنّ أمام المشاهدين في منصات التواصل الاجتماعي ؟! خبتم وخسئتم وخاب فألكم !
وهؤلاء اللايفاتية ، الرحال منهم والنساء، على اختلاف قبائلهم وانتماءاتهم الفكرية والسياسية ومستوياتهم التعليمية لا تكاد تبرّيء منهم أحداً من هذا السلوك المشين الا من رحم ربي ، وهم قليل .
ولا تحسبن أني أبريء اللايفايتية من أبناء أقاليم السودان الأخرى من هذة اللوثة العنصرية ، وبذاءة اللسان ، ولكنّي أزعم أنهم أقل فحشاً في لغتهم ، وابعد عن الشطط في طرحهم من أبناء دارفور، فخطاب الدارفوريين أوغل في الجهوية والقبلية يتمثلون قول الشاعر الحاهلي :
وما أنا إلاّ من غزية إن غوت
غويت وإن ترشد غزية أرشد
وقد ينزع بهم حب اللجاجة ، والفجور في الخصومة الى الخوض في اعراض بني عمومتهم كقول الاخر
وأحيانا على بكر أخينا إذا لم نجد إلا أخانا
ثمّ يجتمع كثير من هؤلاء الناشطين السياسيين ولا سيما العرب منهم على معاداة أهل شمال السودان ووسطه والزراية بهم أيّما زراية ، لا يكادون يستثنون أحداً منهم ، وإن كان ممن لا يفقه في السياسة ولا يعلم مَن مداخلها ومخارجها شيئاً ، ويخصون قبائل الدناقلة والمحس والجعليين والشايقية بالنصيب الأكبر والحظ الأوفر من هذه العداوة ، فهم على سبيل الذم : الجلابة ، وهم أولاد البحر ، وهم ابناء الشريط النيلي ، وهم ما شئت من أرذل القول وأشنعه ، وهذه المصطلحات في أصلها اللغوي ودلالاتها اللفظية لا تعني ما حمّلوه إيّاها من معاني الذمٍّ والتقريع ، ثم تفتقت عبقريتهم عن مصطلح سياسي جديد هو (دولة 56 ) التي بزعمهم قد جثمت على صدر الشعب السوداني ، طوال الستين سنة الماضية من عمر الدولة السودانية ، تديرها عصبة من الجلابة ، ولا يزالون يديرونها إلى يوم الناس هذا ، مستاثرين بالمال والسلطة ، خاصين مناطقهم بالتنمية ، قاصرين الوظائف الكبرى على ذويهم وأقاربهم ، تاركين ابناء المناطق الاخرى من السودان للفقر والحهل والجوع والمرض وغير ذلك من المزاعم التي تلوكها ألسنتهم وتتلمظها ثم تلقيها في منابر الرأي غير آبهة بما تجره من وبال على وحدة البلاد و نفوس العباد ، و سنرى إن شاء الله بعد التمحيص إن كانت صحيحة أم مجرد أوهام وسمادير وتسريج أحاديث !
ولو سمعت قالتهم حسبت أن هذا الشمال حدائق ذات بهجة ! وما علموا ، عفا الله عنهم ، أن أطفال الشمال الذين هم على مرمى حجر من الخرطوم ، عاصمة البلاد ، يركضون خلف القطار، حفاة شبه عراة ، عليهم أسمال من خلقان ، يتكففون المسافرين كسرة الخبز ، أعطوهم أو منعوهم .
و بعض هؤلاء المجتمعين على كراهية أهل شمال السودان ووسطه ، مَن تجده ذا عفة لكنّه فلحاجة لايظلم ، فالمرحلة تقتضي تأجيل حساب مجرمي دار صباح حنى تنتهي الحرب ، فمشروع توطين عربان غرب إفريقية ( عربان الشتات ) في دارفو ر أشد خطراً من أطماع الجلابة ، لذا فمن الحكمة مداراتهم والتعاون معهم في هذه المرحلة للقضاء على هذا المشروع الذي يهدد استقرارهم بل وجودهم .
تشغلني بعض القضايا التي أرغب أن أثيرها في هذا المقال ، وتلح على خاطري بعض السؤالات التي أريد أن أطرحها على هؤلاء اللايفايتية من أبناء دارفور الذين يجاهرون بعداوة أولاد البحر ، الظلمة المترفين ، قاتلي الأبرياء العُزل و الأطفال الرُّضع ، آكلي السحت ، ولكنّي قبل أن أشرع في ذلك أود أن أنبه إلى بعض المفاهيم الغائبة عن فهم كثير منّا فلربما قادتنا إلى الخروج من نفق العنصرية المظلم إلى فضاء الانسانية المضيء ، وهي :
أولاً : تقسيم الناس إلى أعراق وادعاء أفضلية عرق على آخر إنما هو حديت خرافة ، فالذي أثبته العلم وجاءت البحوث العلمية بتاكيده هو ، أن البشر كلهم ، الاسود والاحمر والابيض والاصفر ، يرجعون إلى جين واحد ، فقد تتبع العلماء الجينات البشرية الى الوراء فوجدوها قد انتهت الى جين واحد ، فليس هناك انفصال جيني كما هو حال بعض الحيوانات، لذلك فالاستعلاء العرقي الذي يملأ نفوس بعضنا زهواً وغروراً لايستند إلى واقع وإنما هو من خيال البشر وسماديرهم ، فالذي نراه من فروق بين البشر في الألوان وأشكال الانوف وأنواع الشعر سببه المناخ ، فالبشر في أول عهدهم كانوا في السودان والحبشة وارتريا وجيبوتي والصومال اي في منطقة القرن الأفريقي ولم يكونوا يتجاوزون الالفين ، الوانهم سوداء داكنة ، ثم تفرقوا في الارض على مدى قرون متطاولة فتبدلت ألوانهم وأشكالهم بسبب المناخ . لا ينقسم البشر إلى أعراق ، لأن الجين واحد ولكن ينقسمون الى اثنيات وسلالات فالدين واللغة والجغرافية والتاريخ المشترك كلها فروق ثقافية لا علاقة لها بالعرق ، ولعل أحق الناس بقبول نتائج هذا البحث هم المسلمون ، لأن رسولهم عليه الصلاة والسلام حدثهم منذ أربعة عشر قرناً ونصف القرن أن الناس من أب واحد ، وهذا الأب خُلق من تراب ، ولونه اسمر كلون التراب، لذلك سُمي آدم ، وكذلك تحدث العلماء بعده بهذا الحديث ، ولكن خمر أبي الورقاء ليست تسكر !
ثانياً : بعض الشعوبيين الجدد ولا سيما اليساريون يزعمون ان انتماء أهل شمال السودان ووسطه إلى العرب كذبة بلقاء ، ويحتجون على نفي هذه الصفة عنهم بسمرة أو سواد ألوان هذه القبائل المدعية العروبة ، موهمين الناس أن العرب بيض ، فأنى لهؤلاء السود التنابيل أن ينتسبوا إليهم ! مع أن سواد بشرة هذه القبائل أكبر دليل على عروبتها ، فالعرب ولاسيما بنو هاشم وهم من هم أشراف العرب وسراتها ، كانت ألوانهم تتراوح بين السمرة والسواد ، فقد وُصِف علي بن ابي طالب رضي الله عنه بأنه آدم شديد الأدمة ، أي أسود ، وهذا البياض الذي تراه يعلو بشرة عرب الخليج وعرب الشام وسبوطة شعرهم إنما جاءهم من اختلاطهم بالفرس والروم بعد الإسلام ، والعرب كانوا يعتزون بسواد لونهم ويعدون البياض والحمرة من ألوان العجم ، ولو أن السود اليوم عندهم العزة بسواد لونهم كما كان يفعل العرب من قبل لأجبروا العالم على احترامهم .
هذا ومن أراد التوسع في هذا المبحت فليتصل بي على البريد اللإلكتروني ، فعندي بحث مستفيض في هذا الموضوع فيه غناء أيًّما غناء يمكن أن أرسله إليه ، مع أن الأمر لا يحتاج إلى أدلة إلا لمن ركبته لوثة الشعوبية ، فالناس مأمونون على أنسابهم.
ثالثاً : العروبة كما في الأثر ليست عرقاً وإنما هي لسان ، فمن تحدث العربية فهو عربي ، وفي ذلك نفى للعرقية التي قلنا إنّها خرافة لا وجود لها ، وانتماء إلى كسب ثقافي في متناول كل أحد خلاف العرق فإنك تولد به ولا تستطيع اكتسابه.

Exit mobile version