وزارة العدل.. بوابة النهضة الاقتصادية في سودان ما بعد الحرب

د. نصرالدين أبوشيبة الخليل 

في ظل التحديات الكبيرة التي تواجه السودان سياسياً واقتصادياً، تبرز أهمية وزارة العدل ليس فقط في مجال تحقيق مبدأ سيادة حكم القانون، بل في التأثير المباشر على الاقتصاد الوطني من خلال تشكيل بيئة قانونية جاذبة للاستثمار. فوزارة العدل تؤدي دوراً محورياً في بناء وتعزيز الثقة بمؤسسات الدولة، إذ أصبح من المتفق عليه أنه لا تنمية اقتصادية بلا عدالة، ولا عدالة بلا قانون عادل. وحيث إن من مهام الوزارة الأساسية صناعة القانون، تتضح الأهمية الكبرى لهذه الوزارة التي يمكن أن تشكّل في هذه المرحلة التاريخية بوابة النهضة الاقتصادية في سودان ما بعد الحرب وحتى تنهض الوزارة بهذا الدور فإن عليها اتخاذ جملة من الإجراءات العاجلة منها: 

أولاً: إعادة النظر في القوانين ذات الصلة بالاقتصاد والتجارة، وإصلاحها بما يواكب العصر، مثل قوانين الإفلاس وتسجيل الأعمال والشراكات، وقانون الشركات، والاستثمار، والمعاملات الإلكترونية كما يتطلب الأمر إصدار تشريعات حديثة تتعلق بحماية البيانات الشخصية والتعامل مع العملات الرقمية، واستيعاب تطورات الذكاء الاصطناعي فكل ما تقدم مجالات تؤثر بصورة مباشرة على مناخ الأعمال وجذب الاستثمار. 

ثانياً: تعزيز مبدأ سيادة حكم القانون: النهضة الاقتصادية لا تقوم في بيئة مضطربة قانونياً. وتكمن مسؤولية وزارة العدل في ضمان وجود تشريعات تكفل قضاءً عادلاً وآليات فعالة لتسوية النزاعات التجارية، بما يعزز ثقة المستثمر المحلي والأجنبي في النظام القانوني السوداني. 

ثالثاً: مكافحة الفساد وحوكمة الأداء العام لأجهزة الدولة: ويتم ذلك عبر صياغة التشريعات اللازمة وضمان تطبيقها. فالوزارة من خلال مستشاريها القانونيين المنتشرين في المؤسسات الحكومية، تمثل خط الدفاع الأول في مواجهة الفساد وضبط الأداء الإداري الحكومي. 

رابعاً: التمثيل القانوني في المعاهدات الاقتصادية الدولية. إذ تضطلع وزارة العدل بمهمة المستشار القانوني للحكومة في الاتفاقيات الاقتصادية الدولية والإقليمية، وتقديم الدعم للمفاوض السوداني، خاصة في الاستحقاقات الكبيرة مثل الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية. 

خامساً: نشر التوعية القانونية الاقتصادية. فمن مهام الوزارة نشر الثقافة القانونية بين التجار والمستثمرين ورواد الأعمال، عبر الإصدارات القانونية والوسائط الإعلامية، مما يسهم في تمكين المواطنين من المشاركة الواعية في النشاط الاقتصادي. 

سادساً: التأكيد استقلال المستشار القانوني في تقديم الرأي: من الأهمية بمكان أن يتمتع المستشار القانوني العامل بالوحدات الحكومية بالاستقلالية الكاملة في إبداء الرأي القانوني بعيداً عن أي ضغوط إدارية أو سياسية. فاستقلالية المستشار القانوني تمثل ضمانة أساسية لحماية المال العام، وضبط الأداء المؤسسي، وتحصين القرارات الحكومية من العيوب القانونية التي قد تؤدي إلى فساد أو نزاعات. إن تعزيز هذا الاستقلال، مع دعم كفاءتهم المهنية وتوفير بيئة عمل آمنة، يجعل من المستشارين القانونيين قوة حقيقية لإرساء سيادة حكم القانون داخل أجهزة الدولة. 

ولعله من المهم هنا التأكيد على أن من أبرز السبل التي يمكن أن تدعم كفاءة العمل القانوني داخل وزارة العدل، الاستفادة من البحوث العلمية القانونية التي تتم إجازتها بواسطة كليات الدراسات العليا في الجامعات السودانية، لما تحمله من قيمة علمية وتوصيات عملية يمكن أن تسهم في تطوير التشريعات وتحسين السياسات القانونية ولعله من حسن الطالع أن من يتولى قيادة الوزارة وزير جمع بين العلم والعمل مما يجعل هذا الامر سهلاً وممكناً. وإلى جانب ذلك، يمكن للوزارة أن تنفتح بصورة أكبر على المجتمع بوصفه صاحب المصلحة الأولى في القوانين، وذلك من خلال إنشاء منصة إلكترونية مخصصة لطرح الاستبيانات وأخذ آراء الأفراد والجهات ذات الصلة في مشروعات القوانين المزمع إصدارها قبل إجازتها النهائية، بما يعزز مبدأ المشاركة المجتمعية ويضمن أن تكون القوانين معبرة عن احتياجات المواطنين وتطلعاتهم. 

ختاماً…. 

إن وزارة العدل ليست مجرد جهاز حكومي معني بصياغة التشريعات أو تمثيل الدولة أمام القضاء، بل هي البوابة الحقيقية لنهضة السودان الجديد. فبقدر ما تتمكن الوزارة من ترسيخ استقلالية مستشاريها القانونيين، والاستفادة من رصيد البحث العلمي في الجامعات، والانفتاح على المجتمع لإشراكه في صناعة القرار التشريعي، بقدر ما تضع أسساً راسخة لدولة القانون والمؤسسات. إن بناء السودان الحديث يبدأ من عدالة مستقلة وواعية وعلمية، قادرة على حماية الحقوق، وتطوير القوانين، وتلبية تطلعات المواطنين، وهو ما يجعل وزارة العدل بحق حجر الزاوية في مشروع النهضة الوطنية الشاملة. 

والله الموفق. 

Exit mobile version