ورحل عم أحمد … قامة وطن

بقلم السفير / عبدالله أحمد عثمان
. استعد يا عبدالله حيكون عندنا أسبوع حافل جدا . هكذا خاطبني العم أحمد عبدالرحمن محمد . . يومذاك من صيف 1986 عقب الإنتخابات البرلمانية في السودان و عم أحمد حينها الأمين السياسي للجبهة الإسلامية القومية و كنت أنا مديرا لمكتب صحيفة الجبهة( الراية) بالقاهرة . و يمتد ذلك إلى علاقاته المذهلة مع ألوان و قيادات الطيف السياسي السوداني من اليمين إلى اليسار.
تداعت بديع الصورة و الذكرى هذي إلى ذهني و أنا أطالع منشورات الحفل الناضح بالوفاء الذي أقيم منذ اسبوعين خلون بالقاهرة لتأبينه و الفقيد السفير بشرى الشيخ . . و جاشت الذكريات و تدافعت الحروف لبعض وفاء أجزم أنه لن يفيه حقه و خذلتني الحروف أيام وفاته منذ أشهر قلائل لظروف مغالبة داء الكلى و تبعاتها من جلسات الغسيل و رهقه . . و لكن أنى لمثلي إن يتجاوز أول من علمه السياسة و طرائقها و ترتيب أولوياتها و شخوصها . . و لعمري فقد كانت نتيجة الانتخابات ذات صدى مجلجل في القاهرة الرسمية و الحزبية حينها ، يوم أن توازنت القوى السياسية الأساس في البلاد حزب الأمة 101 مقعد ، الاتحادي 63 مقعد ، الجبهة الإسلامية القومية 51 مقعد . و هو صعود هائل للجبهة جعلت منها رقما أساس في المشهد السياسي إلى يوم الناس هذا . . كانت مهمة عم أحمد و التي شكلت لي اول دورة سياسية بامتياز هي فتح قنوات التواصل مع مصر بتكليف من الأمين العام للجبهة د. الترابي رحمه الله . . مصر الدولة الرسمية . مصر الأحزاب السياسية ، مصر الإعلام و قادة الرأي العام . . و نظمنا برنامجا ثرا و بالضرورة كان أول لقاء مع د. يوسف والي الأمين العام للحزب الوطني الحاكم و كان مثمرا للغاية و أبرز ما فيه إشارة د. والي الذكية و الوفية حيث ذكر بأن مصر الدولة لم و لن تنسى موقف الجبهة الإسلامية القومية و الحزب الاتحادي بعدم مشاركتهما في المظاهرة الصاخبة التي قادها اليسار السوداني و حاصرت السفارة المصرية بالمقرن و كان شعارها ” سلم تسلم يا مبارك ” في مطالبة صاخبة بتسليم مصر للرئيس جعفر نميري الذي يقيم وقتها بالقاهرة عقب سقوط نظامه . و إنتهت المظاهرة بما هو اصخب و خلف مرارة لدى المصريين ألا و هو ( حرق العلم المصري ) في أول و أخطر سابقة في العلافات بين البلدين . . و ضمن اللقاءات الرسمية كان لقاءا مميزا مع سعادة اللواء محمد عبدالسلام المحجوب برئاسة الجمهورية حينها و محافظ الإسكندرية لاحقا و هو من المشبعين بهموم الأمن القومي العربي حتى النخاع . . وامتدت اللقاءات إلى الأحزاب السياسية فكان إبراهيم شكري و حزب العمل المتحالف يومها مع الإخوان المسلمين و لهم حضور وافر في البرلمان . . و أيضا قيادات الإخوان في التوفيقية فضيلة المرشد محمد حامد أبو النصر و الحاج مصطفى مشهور و سيف الإسلام حسن البنا و بقية مكتب الإرشاد . . و دلفنا على الباشا فؤاد سراج الدين رئيس حزب الوفد بقصره بقاردن سيتي . . و سعينا للقاء د. رفعت السعيد رئيس حزب التجمع الشيوعي و لكن تم الإعتذار لنا و لاحقا علمنا أن إياد سودانية شيوعية كانت وراء الإعتذار . . و التقينا الهرم الإعلامي محمد حسنين هيكل و درره عن الناصرية و العلاقات مع السودان . . و عادل حسين رئيس تحرير صحيفة الشعب لسان حزب العمل .. و مصطفى شردي رئيس تحرير صحيفة الوفد لسان حزب الوفد . . و د. محمد سليم العوا المفكر الإسلامي و السيدة صافيناز كاظم الإعلامية البارزة . . كانت لي دورة تدريبية سياسية ذاخرة . . من ترتيب للقاءات و تحضير نقاط الحديث و القضايا مع هذي الجهات لتوضيح و ترسيخ و تعزيز رؤية و منهج الجبهة الإسلامية القومية للعلاقات بين مصر و السودان . و رؤية و منهج الجبهة الإسلامية القومية حول قضايا الأمة العربية والإسلامية . وقد وضعت حصائد هذه الزيارة أساسا متينا لزيارة وفد الجبهة الإسلامية القومية إلى مصر صيف 1987 كأول زيارة خارجية للجبهة . . إلى ذلك فقد التقينا نفر كريم من ساسة السودان فكان لقاء عزالدين السيد رئيس مجلس الشعب في مايو . .و د. عبد الحميد صالح القيادي بحزب الأمة و الذي يشكل صندوقا اسودا لبعض أسرار الحزب . . و كشفت لي تلك اللقاءات عن مدى صلات الود التي تجمع عم أحمد بالطيف السياسي السوداني قاطبة . . و قد شهدت جم علاقته بالمرحوم
د. عمر نور الدائم جاره في السكن و صديقه اللدود في السياسة . وقد سعينا للقاء الرئيس السابق نميري غير أن الجهات المصرية اعتذرت بلطف حتى لا يحسب له نشاطا سياسيا و احترمنا رغبتهم .
** على هامش ذلكم الأسبوع المترع بنشاط سياسي عارم . . كانت هناك ذكريات انداحت عن عم أحمد ناطقة بجهد نبيل و تشكل بعضا من صفحات تاريخ السودان و سأكتفي باثنتين منهما . . الأولى تكشف عن مسؤلية عالية و جسارة بائنة يوم أن تم تكليفه من قبل الجبهة الوطنية بقيادة السيد الصادق المهدي و الشريف حسين الهندي و عثمان خالد مضوي للإتصال بالقيادة السعودية على عهد الملك فيصل طيب الله ثراه لطلب دعمها للجبهة الوطنية في نضالها ضد مايو الحمراء بومها . و هو بعد موظف في المملكة و نشاط كهذا يمكن أن يقطع عيشه . و لكنه تجاسر و كما النسر
2 / 2
طلب المعالي فتوجه إلى أقرب مسجد من قصر الملك فيصل ليصلي فيه صلاة الفجر ، ثم يتوجه حاملا الرسالة التي أعدها بعناية للملك إلى بوابة القصر ليستلمها الحرس و يدخل بها للملك فيصل و سرعان ما دعوا عم أحمد للدخول من انتظاره في الشارع أمام القصر للقاء الملك الذي أحسن الترحيب به و أبلغه استجابته لكل طلباتهم المرفوعة و كانت بداية فصل جديد في تاريخ السودان الحديث . و ثانيتهما روى لي أنه حضر ماجستير الإدارة في هولندا و بعد حوالي عشرون عاما زار هولندا و قص على البروفسير مشرفه في الماجستير ما جرت به و عليه من أحداث السياسة السودانية فقال له المشرف سجل هذه التجربة و بوبها منهجيا و سأمنحك الدكتوراة فورا . رحم الله عم أحمد ذلكم العبادي النضير الذي جمع السودان بين الحنايا قادما من بربر لتكون قرينته من الدويم في بحر أبيض بل ( بحر كيوات ) كما يحلو لأهلنا الحسانية تسميته . طبت و طاب مرقدك و طرح الله البركة في الذرية و العقب .



