قد يكون اجتماع سري في زيورخ بين مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقائد قوات الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان علامةً على بداية تحرك جاد في مفاوضات السلام في السودان بعد عام من الركود. جرت هذه الجلسة، التي استمرت ثلاث ساعات وتضمنت البرهان ومستشار الرئيس الأمريكي لشؤون أفريقيا ماساد بولوص في 11 أغسطس، بوساطة قطر، التي تعد شريكًا رئيسيًا للدبلوماسية الأمريكية في عهد ترامب. سعى الطرفان إلى إبقاء اللقاء سريًا، لكن الحدث كان ذا أهمية كافية لأن يدفع الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس الإمارات ومستشارها للأمن الوطني، إلى السفر إلى زيورخ للقاء بولوص في اليوم التالي.
هذا اللقاء جاء بعد فشل اجتماع سابق في أوائل يونيو جمع سفراء دول “الرباعية” (الولايات المتحدة والإمارات ومصر والسعودية)، حيث أخبر الدبلوماسيون الأمريكيون نظراءهم السودانيين بأنهم يعملون على اقتراحات سياسية جديدة لإنهاء الحرب.
لقد تدهورت الأوضاع في السودان خلال العام الماضي بشكل حاد، نتيجة هجمات وحشية على المدنيين من قبل الفصائل العسكرية المتناحرة، ونقص التمويل الحاد لمساعدات الأمم المتحدة، إذ خفّضت حكومات غربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، ميزانيات المساعدات.
تعثرت الدبلوماسية الغربية: فقد انتهى قمة لندن في أبريل دون التوصل إلى بيان ختامي، وكانت المبادرة الأمريكية السابقة في جنيف قبل عام قد فشلت كذلك. ومع عودة ترامب إلى الرئاسة في 20 يناير، دفع مستشاره الكريم لأفريقيا، ماساد بولوص، نحو انخراط جديد، لكن جهوده تهمشت لأنه انخرط في ملفات أخرى في الكونغو ورواندا، مثل “صفقات مقابل موارد”.
لم تتضح حتى الآن عضوية فريق بولوص الخاص بالسودان، خاصة مع مغادرة العديد من الخبراء الإقليميين البارزين وزارة الخارجية والمجلس القومي للأمن. ولا يُعرف ما إذا تم تكليف دراسات تحليلية حديثة حول تطورات الحرب. كان بولوص حريصًا على تنظيم اجتماع رباعي، ربما فقط لإثبات استمرار صيغته العملية، وحرص على استبعاد الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي من أي مفاوضات عسكرية عالية المخاطر.
في اجتماع واشنطن في 30 يوليو، عادت النقاشات ذاتها إلى الواجهة وانتهى الاجتماع عند طريق مسدود. أصرّت مصر على أن تقود القوات المسلحة الانتقالية، بينما أفادت مسودة البيان الأمريكية بأنها لم تشمل الأدوار المباشرة لكل من الجيش (SAF) والقوات الإقليمية (RSF). وعند تصعيد مصر موقفها، عارضته الإمارات بشدة، وهو نفس الموقف الذي تبنته سابقًا في لندن وفي يونيو.
من المهم الإشارة إلى أن معظم الرعاة الإقليميين للحرب في السودان – مصر والسعودية والإمارات – حلفاء مقربون للولايات المتحدة، بخلاف تركيا وإيران. ورغم الجلسة غير الحاسمة، فقد بينت مواقفهم بوضوح.
لا ترغب مصر في استبعاد قوات الجيش أو حكومته المدنية المنبثقة في بورتسودان من أي مرحلة انتقالية محتملة. الرئيس عبد الفتاح السيسي والزعامات العسكرية في السودان تربطهم علاقات ودية متينة، مدعومة بشراكات صناعية وعسكرية طويلة الأمد، وتكوين مشترك للضباط في أكاديمية القاهرة العسكرية.
أما الإمارات، تحت قيادة محمد بن زايد، فهي أكبر مستثمر أجنبي في مصر – بـ35 مليار دولار في الساحل المتوسطي – وموقفها يتعاطف مع مصر سياسيًا، لكنها تعارض سياستها في السودان. وتقول أبوظبي إن الحرب يجب أن تنتهي عبر انتقال مدني يستثني الفصائل العسكرية الداعية لها. لكن هذا الطرح منافق في نظر كثيرين، بالنظر إلى أنها الممول والداعم الرئيسي لقوات “حميدتي” (RSF)، وما زالت تدعم حكومة مدنية موازية له في غرب السودان، بما يقوّض وحدة البلاد.
تذهب الإمارات أبعد من ذلك، إذ ترى أن الجيش السوداني (SAF) محمي من قبل فصائل إسلامية متطرفة، وترتبط بـ”حزب المؤتمر الوطني”، الذي عُزل عام 2019، وتعتبر “حميدتي” خطرًا أكبر. ويقول ناشط علماني وطني شرقي إن قوات “حميدتي” تبدو أكثر تهديدًا للانتقال المدني من الإسلاميين “الذين نعرف أساليبهم”.
لم يُكشف عن تفاصيل ما دار بين بولوص والبرهان، لكن يبدو أن فريق الولايات المتحدة يتبنى استراتيجية جديدة: الحوار أولًا مع القادة السودانيين، ثم مع الرعاة الإقليميين. وقد يكون “حميدتي” التالي على القائمة، خاصة بعد لقاء الشيخ منصور ببولوص في زيورخ في 12 أغسطس.
