هل أخفق “كرتي” في قيادة الإسلاميين للضفة الأخرى؟

الأحداث – عبدالباسط إدريس

بعد أكثر من (5) أعوام على سقوط نظامهم تفاجأ خصوم الإسلاميين بتقديرهم الخاطئ، ربما لقوة وصلابة هذا التيار الجارف وقدرته على استعادة توازنه على نحو يتيح له التبرع بشكل مريح في وسط الساحة السياسية في السودان.. لقد حدث ذلك لمعلومات تفتقر إلى الدقة والمصداقية وجهل كامل، بعمق وتركيبة الحركة الإسلامية وتأثيرها كقوة اجتماعية متنامية على الأحداث السودانية.

 

أسئلة حائرة :

 

فإن تجلت عبقرية قيادتها في المحافظة على كيانها وتكوينها من التدمير عبر الاستهداف الممنهج طيلة سنوات ما بعد السلطة وإلى حرب أبريل، إلا أن خصومها بالداخل والخارج قد نجحوا بوضعها في خانة الجماعة الإرهابية المعادية للديمقراطية، فهل أخفق كرتي في توظيف قدرات الإسلاميين ونقلهم إلى الوجهة الأخرى؟ وما مستقبل هذه الحركة والتيار في ظل الأوضاع المعقدة المحيطة به في داخل وخارج البلاد؟

 

مكامن القوة:

تكمن قوة الحركة الإسلامية في طبيعة تكوينها المعقد من النواحي التنظيمية والهيكلية وتغلغلها العميق في تربة المجتمع السوداني وامتلاكها مستودع تفكير استراتيجي يضم عقول كبيرة، وهذه الميزة تحديداً منحتها قدرة هائلة على “إدارة الصراع”، واستخدام تكتيكات متعددة تخدم استراتيجية واحدة غير مرئية حتى لكثير من عضويتها، وفي هذا الصدد فشلت كثير من المحاولات البحثية لمراكز خارجية في الإمساك بخيط مركزي يقود لكشف كنه هذا التنظيم المعقد، إلى جانب ذلك أتاحت لهم تجربة الحكم والبقاء في أجهزة الدولة لنحو ثلاثين عاماً، معرفة أكبر بأوضاع البلاد ومكنتهم بناء علاقات خارجية خاصة، وبناء كوادر مؤهلة لإدارة التنظيم وتشغيل مؤسسات الدولة، وتمتلك الحركة في هذا الجانب مؤسسات تدريب قادرة على إعداد كوادر وظيفية عالية الكفاءة ظهر بعض منها في مجالات النفط والكهرباء والاتصالات والمياه وبناء القوات المسلحة وتفجير ثورة الصناعات الدفاعية، وكان لخروج هذه الكوادر، بفعل ابعادهما من قبل السلطة الانتقالية عقب الثورة والتغيير أثر ملحوظ، في تراجع أداء أجهزة الدولة وقلة الخدمات وتوقف مشاريع التنمية، كما قاد حل حزب المؤتمر الوطني لتفجير الأوضاع الاجتماعية والقبلية في ظل غياب حاضنة سياسية انتقالية لم يسعفها تكوينها وقلة تجربتها في سد فراغها والسيطرة على انفراط عقدها، أما مكمن القوة الأخير يتمثل في امتلاك الحركة لمخزون كبير من المتطوعين للقتال ويشارك جزء منهم في معركة الكرامة إلى جانب الجيش، بمشاركة قطاعات شبابية أخرى استجابت لنداء استنفار قائد الجيش.

 

عداء الديمقراطية:

تتهم التيارات المناوئة للإسلاميين والمؤتلفة في جبهة “تقدم” الإسلاميين بقطع تجربة الحكم المدني، عقب انقلاب حلفائهم العسكريين وفض الشراكة بالحكومة الانتقالية في 25 أكتوبر 2021 بجانب تسويق اتهامها بالعداء للديمقراطية خارجياً. ويتفق المحلل السياسي نزار صالح محجوب مع هذه الاتهامات، ويقول ل(الأحداث) إن موقف الإسلاميين المعادي للثورة والتغيير لم يكن خافياً حيث عملوا على عرقلة حكومة حمدوك وشاركوا بفاعلية في اعتصام القصر للانقلاب على الثورة، ويرى نزار أن الإسلاميين بطبيعة تكوينهم الفكري الإقصائي لايرحبون بالديمقراطية ولايقبلون الحكم بنتائجها أو الصبر على نموها ويستدل بانقلابهم على التجربة الديمقراطية الثالثة في عام 1989 ومعاداتهم للقوى السياسية ومصادرة الحقوق والحريات.

 

هل أخفق كرتي؟

إن كانت الحركة الإسلامية، بكل ذلك القوة والزخم، فهل أخفقت قيادتها وأمينها العام علي كرتي في أخذها إلى وجهة المصالحة الوطنية والاعتراف بتجربة أخطاء حكمها ومن ثم انتقالها إلى وجهة الحكم المدني الديمقراطي المبني على قاعدة الاحتكام للشعب وتداول السلطة؟ وهل أخفق أيضاً في تحييد الجهات الخارجية المستهدفة لوجودهم أو تقليل الهجمة الداعية لتصفيتهم واستئصالهم؟.

يقول العضو بالحركة الإسلامية شريف عبدالغنى ل(الأحداث) إن قيادة كرتي أبطلت استهداف الحركة الذي لم يكن لرعاته القبول بأقل من سحلهم وتعليقهم في المشانق، ويؤكد عبدالغني أن الإدارة الحكيمة لكرتي والمجموعة القيادية حافظت على الحركة هيكلياً وعضوياً، ويشدد على أن الحملة التي تستهدف الإسلاميين الآن ووصمهم بالإرهاب يدرك رعاتها ومطلقوها جيداً أن الحركة هي التي اكتشفت مشروعهم الإنقلابي الدموي عبر “حميدتي” وتصدت له بالبيان والدماء، ويرى عبدالغنى أن هم الإسلاميين الآن هو التصدي لمؤامرة السيطرة على السودان وموارده أرضاً بلا شعب وأن الحديث عن الديمقراطية والمصالحة سيأتي وقته ولكنه الآن ترف في مقابل أكبر تحد يواجهه السودانيون منذ أن خلقهم الله.

 

المستقبل والتحديات :

 

ويقول المحلل السياسي إبراهيم الصديق ل(الأحداث)

“هناك ثلاثة تحديات أساسية أمام الحركة الإسلامية السودانية، وأولها: المساهمة في الدفاع عن الدولة السودانية، الآن البلاد مستهدفة في وجودها ووحدتها وشعبها وثرواتها، مخططات ومؤامرات كبيرة تهدد الأمة السودانية، ولئن تدافع عامة أهل السودان لصيانة وحدتهم، فإن الحركة الإسلامية تيار فاعل ومؤثر في هذا الفعل المبارك والمنعطف التاريخي وهذه اللحظة المفصلية، وهنا تبرز قيمة المواقف المبدئية، ورغم كل الكيد عليها والتلميحات، فإن الحركة لم تتوان في اتخاذ الموقف الصحيح وهو إسناد ودعم المدافعة للحفاظ على الدولة السودانية”.

ويرى الصديق أن التحدي الثاني هو الحفاظ على مقومات الدولة السودانية من محاولات التجريف والتفتيت والتفكيك، وأقصد هنا التماسك الاجتماعي وقيم التسامح والسمو فوق الضغائن وحفظ وحدة الشعب السوداني، هنا مخططات لإشاعة الفرقة والفتن، والحركة الإسلامية مع آخرين تبذل غاياتها في هزيمة هذه الأجندة، وتجنيب البلاد أي انزلاق في شقاق اجتماعي،

وثالث التحديات، بحسب إبراهيم الصديق هو  توسيع مفهوم التيار الإسلامي والوطني، بما يشمل الجميع، وعلى الحد الادني، الدفاع عن هوية الأمة وقيمها، واستصحاب الجميع وهو غاية مهمة وضرورية لمواجهة التحديات الكبيرة.

وأضاف “أما القضايا الأخرى، فإنها مهمة، ومنها إعادة البناء وتطوير الآليات والاقتراب أكثر من المجتمع وإبداع خطاب جديد ليواكب تطلعات الأجيال الجديدة ويستصحب مقتضيات المحيط الإقليمى والدولي.. لا شك أن هناك استهداف للتيار الإسلامي، وللحركة الإسلامية تجربة واسعة فى مقاومة هذه المشروعات بالفكرة والمنطق والحوار، ولكنهم هذه المرة استعانوا بالبندقية والمرتزقة، وهو كما ذكرت التحدي الأكثر أهمية وضرورة”.

Exit mobile version