أبوبكر الشريف التجاني
بسم الله نبتدئ، وبنبينا محمد صلى الله عليه وسلم نقتدي. النصيحة أمر عظيم لا يتقبلها إلا رجل عظيم. كان سلفنا الصالح يقتدون بالنبي صلى الله عليه وسلم، لأنه النور الذي يستهدون به، والمرآة الحقيقية التي يرون فيها أرواحهم وأشكالهم وصورهم. لذلك، لم يضلوا لأن المرآة غير الحقيقية قد تعكس صورتك مقلوبة، بمعنى أن تشاهد يمينك هو شمالك والعكس صحيح. وهذه حال نصيحة معظم الناس أحياناً؛ غير حقيقية كالمرآة.
أما مرآة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي المحجة البيضاء ليلها كنهارها. أي أن مرآة رسول الله في النصيحة حقيقية. وكذلك مرآة المؤمن لأخيه حقيقية لأنها اقتبست من نور النبي صلى الله عليه وسلم. لذلك جاءوا صادقين في تناصحهم، يتقبلون النصح بينهم دون تعالٍ أو تكبر.
*السودان بعد 70 عاماً من الاستقلال*
تمر علينا الآن سبعون عاماً على استقلال السودان، استقلالٌ نلناه من المستعمر، ولكنه في الحقيقة استغلالٌ للسودان الطاهر من قِبل أبنائه الذين ورثوه من المستعمر.
كنا نأمل أن الذكرى السبعين لاستقلال السودان ستكون محطة لنرى بلادنا عالية، قوية، وشامخة في مصاف الدول التي حققت استقلالها. لكننا نجد، بعد مرور جيلين منذ الاستقلال، أن إرثنا ليس إلا دماراً وخراباً وصراعات. لم تُحسم قضايا أساسية تتعلق بنظام الحكم، بل بقيت البلاد تئنّ تحت صراعات حول كراسي الحكم، وأحزابٍ لا تسمن ولا تغني من جوع.
الشعب السوداني يدّعي أنه “معلم الشعوب الثورات”، ولكنه لم يدرك حقيقته تماماً. لم يعرف ماهية الثورات بمعناها الحقيقي. أما الغرب، الذي يُظهر دعمه في العلن، فهو في الواقع يضحك على عقول شعوبنا لأنه يعلم أن البلدان التي نالت استقلالها من العالم الثالث لم تصل بعد إلى مقاس الديمقراطية والحرية المطلقة التي تتيح لها حكم نفسها. هذه البلدان، بما فيها السودان، تسير مندفعَة خلف سراب لا يتناسب مع عاداتها وأعراف شعوبها وثقافتها.
*فاقد الشيء لا يعطيه.*
ذكر لي أحد الزوار المستشرقين، وهو مسلم من أصول أمريكية يُدعى عبدالكريم بول نيرون، أنه قابل السيد الصادق المهدي في التسعينيات في منزله بعد الإطاحة بنظامه. كان الحديث يدور حول الديمقراطية في السودان. ومن الطرائف التي ذكرها لي، أن الصادق المهدي قال له: “هذا الشعب لا يُحكم إلا بالعصا، وهو يريد العسكر كما كان الرئيس جعفر نميري.”
*عليهم رحمة الله جميعاً.*
إدراك الحقيقة هو السبيل الوحيد للوصول إلى غاية تسعدنا وتريح بالنا. الغرب يدرك تماماً أن بعض الدول التي نالت استقلالها تناسبها أنظمة حكم عسكرية قوية وصارمة لتحقيق الاستقرار. لكن الغرب لا يريد لنا الاستقرار. بدلاً من ذلك، يبحث عن نماذج حكم ديمقراطية ليست أصلاً مناسبة لشعوبنا وأحزابنا، فيتركنا ندور في حلقاتٍ من الفوضى والثورات التي يضحك بها علينا.
*النظام الملكي والاستقرار السياسي*
ومن الملاحظ، والمؤيد لنظرية حكم العسكر الصارم لحسم الفوضى السياسية، هو النظام الملكي في الدول العربية. فهو نظام يشبه في طبيعته النظام العسكري الصارم. هذه الأنظمة لا تسمح بالفوضى السياسية، ولذلك نجدها أكثر استقراراً وتطوراً ونمواً مقارنة بالدول التي تطالب شعوبها بالديمقراطية والمدنية.
الغرب يريد أن يحشرنا في هذا الوهم السياسي، بينما بعض الدول العربية والأفريقية أدركت هذه الحقيقة، ولذلك لم تُحكم إلا بالقبضة العسكرية القوية كضمان للاستقرار السياسي أولاً، ثم الاستقرار الاقتصادي.
الشعب السوداني الذي يُقال عنه إنه “معلم الثورات”، يبدو أنه لم يُدرك أن هذه الثورات التي يتفاخر بها ليست سوى الفوضى التي يريدها الغرب له.
خرج الشعب السوداني بعد عبود يهتف: “ضيعناك وضعنا معاك.”
هذا هو “معلم الثورات” الذي يدور في دائرة مفرغة.
*الحل: تصالح بين المدنيين والعسكر*
لماذا لا يتصالح المدنيون مع العسكر على إقامة حكومة عسكرية قوية وصارمة، مع تكوين مجلس شعب من المستنيرين من ابناء الشعب السوداني لوضع التشريعات ومراقبة ومراجعة مجلس الوزراء،،،ايضا يتمثل الحل في مجلس وزراء من الكفاءات والتكنوقراط، يتم تشكيله بتصالح وطني، ويعمل تحت حكومة عسكرية برئيس جمهورية. هذا النظام هو الأنسب لشعوب العالم الثالث.
حتى بعض الدول لجأت إلى توريث الحكم لضمان الاستمرار والاستقرار، مثل الأنظمة الملكية. أما البحث عن حكومة مدنية منتخبة وأحزاب سياسية فسوف يُعيدنا إلى نفس الدوامة التي نعاني منها الآن.
إدراك هذه الحقيقة والعمل بموجبها هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي.
*فهل نستوعب الدرس؟*
والله المستعان.
والسلام على من اتبع الهدى