نزاع خطير في منطقة القرن الإفريقي

مارتن بلاوت

تشهد منطقة القرن الإفريقي، التي تشمل الصومال وجيبوتي وإثيوبيا وإريتريا، توترات مستمرة، حيث تأثرت المنطقة بحروب وصراعات أهلية وأزمات ناتجة عن التمردات الجهادية الطويلة الأمد في الصومال. القوى الخارجية، خصوصًا تلك من منطقة الخليج، تتنافس للحصول على ولاءات وموارد هذه المنطقة.

في الأشهر الأخيرة، تصاعدت التوترات بشكل غير مسبوق، إذ نشأ خلاف بشأن الوصول إلى الموانئ بين إثيوبيا من جهة والصومال وإريتريا من جهة أخرى، ما جذب قوى إقليمية مثل مصر وتركيا والإمارات إلى الصراع. بدأ النزاع حول الموانئ في يناير عندما وقّعت إثيوبيا مذكرة تفاهم مع “أرض الصومال” (جمهورية غير معترف بها دولياً). وتحت هذه الاتفاقية، كانت إثيوبيا تخطط لاستئجار جزء من الساحل لبناء قاعدة بحرية.

هذا النزاع يهدد بتأجيج المزيد من الصراعات في المنطقة، خاصة مع ازدياد النفوذ المتنامي لتنظيم الشباب الجهادي في الصومال
أثارت هذه الاتفاقية غضب الصومال، التي تعتبر “أرض الصومال” جزءاً من أراضيها. ووجه الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، اللوم بشكل أساسي إلى رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد. في مقابلة مع The Economist بتاريخ 30 سبتمبر في العاصمة الصومالية مقديشو، قال حسن شيخ محمود: “آبي هو الشخص السيء في المنطقة”، مشيرًا إلى سلوك القيادة الإثيوبية غير المتوقع.

في البداية، بدا أن العديد من الدول في المنطقة تؤيد الصومال. فقد أصدرت كل من الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية (إيقاد)، وهي كتلة إقليمية شرق أفريقية، بيانات تدعم “سلامة الأراضي” الصومالية. كما فعلت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الشيء نفسه. وتركيا، التي تعتبر أحد أهم المستثمرين الأجانب في الصومال، وعدت بإرسال قوات لحماية الحدود البحرية للصومال. إلا أن مراقبين أعربوا عن قلقهم مؤخرًا من التحركات التصعيدية للرئيس الصومالي. في يونيو، هدد بطرد آلاف قوات حفظ السلام الإثيوبية المنتشرة في الصومال ضمن بعثة الاتحاد الأفريقي لمحاربة تنظيم الشباب.

في أغسطس، زار حسن شيخ محمود مصر ووقع اتفاقية تعاون عسكري مع الرئيس عبد الفتاح السيسي. تعهدت مصر بتزويد الصومال بالأسلحة، وربما بإرسال آلاف الجنود كجزء من بعثة حفظ سلام جديدة للاتحاد الأفريقي من المقرر أن تبدأ في العام المقبل. ومنذ ذلك الحين، وصلت شحنتان من الأسلحة المصرية إلى مقديشو.

اللعب بالنار

يرى العديد من الدبلوماسيين والمحللين الأجانب أن هذا الاتفاق الأمني يمثل تصعيدًا خطيرًا، خاصة بالنظر إلى العلاقات العدائية بين إثيوبيا ومصر. فالبلدان يتصارعان منذ أن بدأت إثيوبيا بناء سد النهضة الكبير على النيل الأزرق بالقرب من حدودها مع السودان في عام 2011. تعتمد مصر بشكل كبير على مياه النيل، وترى في السد تهديدًا وجوديًا، وهددت سابقًا بقصفه. وفي ديسمبر الماضي، صرحت مصر بأن المحادثات للوصول إلى حل وسط قد “فشلت”.

كما تشعر إثيوبيا بالقلق إزاء العلاقة المتنامية بين الصومال وإريتريا. أحد الدوافع لاتفاق إثيوبيا مع “أرض الصومال” هو انهيار اتفاق سابق مع إريتريا كان يتيح لإثيوبيا الوصول إلى البحر عبر موانئ إريتريا الشمالية. كان هذا الاتفاق جزءًا من اتفاقية السلام بين البلدين التي أبرمت عام 2018، والتي منحت رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد جائزة نوبل للسلام، لكنها انهارت بعد الحرب الأهلية في إثيوبيا عام 2022.

تقسيم القرن

أدى هذا التوتر إلى تعزيز تحالفات جديدة في المنطقة. بينما يبدو أن الصومال، إريتريا، ومصر أقرب إلى تركيا والسعودية، فإن إثيوبيا و”أرض الصومال” وبعض الكيانات الإقليمية الصومالية تتماشى مع الإمارات العربية المتحدة.
وسط هذه النزاعات، تسعى إثيوبيا جاهدة للعثور على منافذ بحرية، لا سيما بعد فقدانها الوصول المباشر إلى البحر في عام 1993 عندما انفصلت إريتريا. يبدو أن آبي أحمد يحاول، من خلال اتفاقه مع “أرض الصومال”، تعويض هذا النقص. وفي المقابل، تدفع الصومال نحو إقامة علاقات أقوى مع إريتريا ومصر، وهو ما يزيد من تعقيد الوضع في القرن الإفريقي.

استضاف إسaias أفورقي، رئيس إريتريا منذ استقلالها في 1993، الرئيس الصومالي مرتين في العاصمة أسمرة هذا العام. وتُجرى محادثات بين إريتريا ومصر بشأن اتفاق للتعاون العسكري وتبادل المعلومات الاستخباراتية. وإذا تم التوصل إلى تحالف ثلاثي رسمي بين مصر، إريتريا، والصومال، فإن ذلك سيزيد من عزلة إثيوبيا في المنطقة.

عواقب التصعيد

تصاعد هذا الخلاف الجيوسياسي قد يؤدي إلى تقسيم القرن الإفريقي إلى كتلتين سياسيتين: مصر، إريتريا، والصومال في تحالف مع السعودية وتركيا، بينما تتحالف إثيوبيا و”أرض الصومال” وبعض الفصائل الصومالية الإقليمية مع الإمارات. ويزداد الوضع تعقيداً بسبب الصراع في السودان، حيث تدعم مصر وحلفاؤها الجيش السوداني، بينما تدعم الإمارات إثيوبيا ومجموعة “قوات الدعم السريع” شبه العسكرية في السودان.

ورغم هذه التوترات، ظل آبي أحمد متصلباً في موقفه. في 8 سبتمبر، أطلق تصريحًا ناريًا، مشيرًا إلى أن الإثيوبيين “يُذلون ويردعون أولئك الذين يجرؤون على محاولة غزوهم”. كما انتقد رئيس الأركان الإثيوبي مصر ووصفها بأنها “عدو تاريخي”. بالمقابل، يتهم الرئيس الصومالي إثيوبيا بشن حملة تخريبية ضد بلاده، بما في ذلك تقديم الأسلحة للميليشيات العشائرية الصومالية على طول الحدود المشتركة بين البلدين.

تداعيات مستقبلية

هذه التوترات قد تؤدي إلى تفاقم الوضع الأمني في الصومال. رغم التقدم الذي حققته الحكومة الصومالية ضد جماعة الشباب الجهادية، فإن القتال المستمر مع العشائر والانقسامات الداخلية تهدد بإعادة تعزيز نفوذ الشباب في المناطق الريفية المحيطة بمقديشو. علاوة على ذلك، يواجه الرئيس الصومالي معارضة متزايدة من بعض الأقاليم الصومالية، وخاصة ولاية جنوب الغرب القريبة من العاصمة.

في ظل كل هذه التطورات، تظل احتمالات اندلاع حرب مباشرة بين إثيوبيا والصومال أو بين إثيوبيا ومصر منخفضة، فجيش الصومال ليس قويًا بما يكفي لمواجهة إثيوبيا، كما أن آبي أحمد مشغول بالصراعات الداخلية في إقليم أمهرة. ولكن تظل هناك مخاوف من أن تؤدي التوترات إلى اندلاع حرب جديدة بين إثيوبيا وإريتريا، خصوصاً إذا حاول آبي أحمد الاستيلاء على موانئ البحر الأحمر الإريترية، وهو احتمال لا يمكن استبعاده تمامًا.

تهديد الاستقرار الإقليمي

حتى في غياب حرب شاملة، فإن الخلاف حول الوصول إلى الموانئ قد يؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة بشكل أكبر. المحادثات التي أجريت بين إثيوبيا والصومال بوساطة كينيا وتركيا لم تحقق تقدمًا يُذكر، وتم تأجيل جولة جديدة من المحادثات كانت مقررة في سبتمبر إلى أجل غير مسمى. أكد الرئيس الصومالي أن “إنشاء قاعدة بحرية على المياه الإقليمية الصومالية هو خط أحمر لا يمكننا القبول به”.

أما آبي أحمد، فيبدو أنه يعتمد على سياسة المماطلة، حيث يواصل التفاوض بينما يحاول فرض “حقائق على الأرض”. من جانبه، يُعتقد أن الإمارات تدعم إثيوبيا بشكل غير مباشر، حيث تفضل أن تستخدم إثيوبيا ميناءً مملوكًا للإمارات في مدينة بربرة الساحلية في “أرض الصومال”، بدلاً من بناء قاعدة بحرية جديدة.

خطر الفراغ الأمني

مع اقتراب الموعد النهائي لانسحاب قوات حفظ السلام الإثيوبية في الأول من يناير المقبل، يخشى كثيرون من أن يؤدي خروج هذه القوات إلى خلق فراغ أمني قد تستغله جماعة الشباب المتطرفة. يحذر المحللون من أن انسحاب القوات الإثيوبية دون بديل مناسب، وخاصة إذا لم تُستبدل بقوات دولية محايدة، قد يؤدي إلى تدهور الوضع الأمني بشكل خطير، مما يجعل الجماعة الجهادية تستعيد قوتها في مناطق واسعة من الصومال.

من الواضح أن جميع الأطراف بحاجة إلى العودة إلى طاولة المفاوضات في أسرع وقت ممكن لتجنب تفاقم الصراع وتدهور الاستقرار في القرن الإفريقي.

Exit mobile version