المسافة بين …. كابلي ودقلو

 

الزبير نايل 

عندما شدا عبد الكريم الكابلي برائعة الشاعر الأموي يزيد بن معاوية (فأمطرت لؤلؤاً من نرجسٍ وسقت.. ورداً وعضّتْ على العُناب بالبرد) كان يستدعي صورا بلاغية وحزمة رومانسية مستوحاة من بلاد الشام ليعيد توطينها في بلاد السودان حيث تنبت معاني الجمال بكل الاخضرار..

اللغة سلاح ذو حدين، فهي أداة بناء وجمال، كما هي وسيلة تدمير وقبح، وقد حفل التاريخ بمقولات احتفت بالحياة، قابلتها عبارات مثلت معاول هدم وكانت دوما نذير شؤم..

عشنا زمنا كانت الكلمات تنشد للحب والجمال مثل إلياذة الكابلي (وأمطرت لؤلؤا) .. ولكن للأسف وصلنا الآن إلى ذلك النقيض الشعري البديع بشكل مفجع حيث نعيش معاني عبارة (تمطر حصو) التي ترمز للخراب والدمار.. فإذا كان المطر في المخيلة الشعرية رمزا للخير، فإن جعله يمطر حصىً، يعكس صورة قاتمة من القسوة والعنف، وكأنّ المشهد هنا إشارة إلى نهاية الأشياء الجميلة وبداية عصر الخراب.

ورغم أن مفردة “مطر” قد وردت في كثير من مواضع الذكر الحكيم مقترنة بالعذاب، إلا أنها ترسخت في الوجدان الجمعي كرمز للخير والخصب، تُستدعى في سياقات تدل على الرواء والنماء.

في عبارة “تمطر حصو” نجد عالما مُقفرًا وكئيبا لا مكان فيه للحب والجمال، بل كل ما يسقط من السماء ليس سوى حصى مدمر، بينما عبارة “فأمطرت لؤلؤا” تتنزل على النفس سرورا وسعادة، والفرق بين العبارتين هو جوهر الصراع بين البناء والهدم، وبين الحياة والموت.

وهكذا، تظل الكلمات مرآة لصاحبها، فمن نشأ على الجمال كان داعية حب وسلام، ومن شبّ على غيره يبث في الدنيا البؤس والآلام…

# رأس الحكمة عقل اللسان

Exit mobile version