من كان يحمل مثلي حب موطنه يأبى الغياب ولو في الأنجم الشهب ! ..

إبراهيم احمد الحسن
(1)
مثلي ؟!
أنا ؟!
لست وحدي ، انه كل سوداني يعشق تراب البلد من اقصاه الي اقصاه .بل انه كل إنسان يعشق وطنه ايان كانت جغرافية ذلك الوطن ، بل انه سيف الدين الدسوقي الشاعر السوداني النحرير .
(2)
لم أجد شاعر سوداني جسد محبته لوطنه في قصيدة واحدة مثلما فعل سيف الدين الدسوقي .
(3)
كيف لا وقد قال : (والناس في وطني شوق يهدهدهم / كما يهز نسيم قامة القصب ) ! أنظر الي الشوق الذي يهدهد الناس في السودان ! أنظره ماذا يفعل بهم ؟ (سوات العاصفة في ساق الشتيل الني ؟ )، ثم ان هذا النسيم يهدهد قامة القصب ، اي نسيم في الدنا هذا الذي يهدهد ؟ ، إنه نسيم الروض من جنائن آسيا في هنا أمدرمان ، نسيم شبال وفرح ضحاك في عيون أطفال ، إنها نسائم عطبرة الحلوة تهدينا وترسينا ! بل هو نسيم الدعاش نواحي كردفان ، ومنذ زمن لا غَشَتْ النسائم روضنا لا فَتَحتْ أزهار !! أحاول ان أرقق قلبي بجناح النسائم ، وقُلنا تتلقانا انت بالزهور تحضن نسيما . تفعل النسائم كل ذلك بالوجدان السوداني وعندما يستبد بالوجدان الشوق يصدح ( يا نسيم قول للأزاهر ) أو ينضح للفطن الوسيم (أوقل للوطن الوسيم ) عرج يا نسيم بلغه اشتياقي حبي واعتلاقي، ومع ذلك للنسيمِ اعْتِلالٌ نبكي معه ونصيح يا نسمة كيف اخبار اهلنا وحبنا ؟ وعندما لا يأتنا من حينا ( خبر واحد شايله النسيم ) لا نملك إلا ان نقول له شكرا يا نسيم اخبارك وافية .
(4)
كيف لا وقد قال : ( والجار يعشق للجيران من سبب / وقد يحبهم جدًا بلا سبب ) والجيرة في السودان عصب حياة ونظام اجتماعي لا فكاك منه له عصمة وممنوع المساس به والجيران عصبة وعزوة، نفاج تواصل وأهل فالجار القريب اولى من ( ولد أُمك البعيد ) فلا غرو ان يحبهم سيف الدسوقي بلا سبب فكل الأسباب تقود الي باب حبهم المفتوح علي مصرعيه للجيران، وجد سيف الدين الاسباب كلها لمحبة الجيران وعندما استعصى عليه انتقاء احدها أحبهم كلهم ، احبهم جداً بلا سبب .
(5)
كيف لا وقد قال : (والحب أروع ما في الكون نغزله / خيطاً من الشمس أو قطراً من السحب ) ! سيف الدين ورهطه يغزلون الحب خيوطاً من أشعة الشمس او يستحلبونه قطرات من المطر وسحائبها المزن !! هكذا اراد ان يقول الدسوقي عن اهله ، عن جيرانه في السودان .
(6)
كيف لا وقد قال عن الناس في السودان : ( والناس أروع ما فيهم بساطتهم / لكن معدنهم أغلى من الذهب ) .. البساطة وأصالة المعدن توجد هنا ، وهنا فقط !! رفعة ومهابة العلم وعلو كعب العلماء تتواضع في بساطة عند سطوة الاجتماع في السودان ، وبساطة الناس تترفع في شمم وإباء بأصالة المعدن ، عزيزة وغالية كالذهب .
(7)
كيف لا وقد قال عن الكنز في السودان والذي ليس هو المعدن ولكنه معدن الإنسان عندما قال فيه : ( الحلم والعلم والأخلاق والأدب / والكنز كان هو الإنسان مكتملاً ) فلنبحث عن الإنسان المكتمل عن الكنز في دواخلنا ولننقب عن معدن الإنسان النفيس في السودان فسنجد حتماً الحلم والعلم والأخلاق والأدب . ابحثوا عنه مخبؤاً في الدواخل واجعلوه ينداح يغمر السودان فيضه فلا يُحرم منه أحد.
(8)
يكفي سيف الدين الدسوقي انه قال عن اهله: ( إن حدثوك حسبت الصوت صوت نبي ) ، ولك ان تتخيل جهر هذا الصوت وسره ، خفأه وعلانيته ، حجابه وسفوره ، كمه وكيفه ، هتافه وهمسه ، نثره وشعره وكل (كلام ساكت ) ! إنه صوت أهل السودان إن حدثوك حسبت الصوت صوت نبي !!
(9)
ويكفي سيف الدسوقي أن قال عن موطنه السودان : ( كان موطننا عزًا ومفتخرًا / ما هان في عمره يوماً لمغتصب ) !
(10)
ويكفيني أنا ان اقول علي لسان الدسوقي : ( عُد بي إلى النيل لا تسأل عن التعب / قلبي يحن حنين الأينق النجب ) !
ثم أردد معه سيف الدين ( أعد الي شباب العمر مؤتزراً / بالحب والوصل لا بالوعد في الكتب / وارفع عن القلب ما يلقاه من عنت / وأغسل عن الوجه لون الحزن والغضب ) !



