رأي

من داس ديارك فليندم

كتبت مريم عزالدين
“من داس ديارك فليندم، أطلق نيرانك لا ترحم” وجدت نفسي بلا قرار مسبق، أفتح هذه الصورة وأشرع في تصميمها…أردت أن أشتم رائحة مسك الشهداء في حضرتك يا مهند…أردت أن أتعفر بتراب هذا البلد كما تعفّر وجهك الصبوح! أردت أن أُطلق الرصاصة تلو الأخرى، حتى يعلو عجاج البارود! أردت أن أراهم صاغرين مذلولين بلا ملامح ولا هوية ولا روح، أردت أن أقتلهم! أردت أن أتبختر وأنا أثأر لك يا مهند! أن يمتلئ جسدي بدماء الحرية…أردت أن ينطق المدفع، والرصاص، أن يهتز السودان، أن يهتز “البرهان”، أن يهتز الشجر، والحجر، أن تتفجر فينا الكرامة كما لم تتفجر من قبل.

أردت أن ننتفض، أن نثأر، أن لا يميل عزنا ولا تنكفئ وجوهنا يا مهند! أردت أن أبذل وأبذل وأبذل حتى تفيض مني روحي. أردت أن أترك عملي ومالي وأهلي، أردت أن أترك كل شيء وأمسك بالسلاح… لم تعد تكفي مساهماتي وتحركاتي في ميدان الكرامة، لم أعد أقتنع بعملي الاعلامي، لم أعد مقتنعة بمقالاتي، لم أعد مقتنعة بتوثيقاتي للمقاومة الشعبية، لم أعد مقتنعة بالمشاريع المترددة، لم أعد أطيق التساهل، التجاوز، التطمين، التستر، المحاباة. لم تعد ساحة الانتظار تطيقني، ولا لم أعد أطيق الصبر!

لم أعد أطيق حكومة متخاذلة متهاونة، متراخية، رخوة، هلامية، عاجزة قاصرة… لم أعد أطيق بلادًا تستشهد فيها أنت وتتعفر بترابها، وهي بلاد بكماء، بلاد بلا ناطق رسمي، بلاد ساكتة، مغشوشة… لم أعد أطيق احتفالات تخريج المستنفرين وهم يتساءلون بنهم وعيون “مُبَحْلِقة”: (في شهادات؟ عندنا بطاقات؟ في كاكي؟)… لم أعد أطيق أي مجتمع لا يدور حول فلك *الثأر لك ولشهدائنا*…فلك الجهاد بالروح، أصبحت أستصغر جهاد الكلمة، وجهاد المال، وجهاد القلب… أصبحت أستصغر هذه المعارك يا مهند… وأستصغر كل من يتهاون، ولا يزال يقع في نفس الحفرة، حفرة التهاون.

أستصغر نفسي وأنا أمضغ الطعام، وأنا أشرب وأنا أستمع وأقرأ وأشاهد… كأنني أريد من نفسي أن أكون بغير مكان وفي غير زمان! أن لا يمر الزمن عليّ… أن أُنسى، أن أُوهب للآخرة… أن تتركني الملائكة وتتوقف عن الكتابة، أن يتركني الشيطان ويترك اجتهاده ووسوساته… أن يتركني الهواء والماء، أن تتركني الدنيا… أن تتركني هذه العلائق، أصبحت تزعجني الدنيا بمن فيها…أتذكر في هذا الحين، السؤال والحساب، أتذكر ذنوبي وتقصيري ووقوفي أمام العزيز! ليس لدي عمل صالح! ليس لدي سوى قلب غيور عليك يا مهند وعلى دين الله وأهل الله، قلبٌ غيور على الشهداء… أغار والله عليهم وأحبهم.

إليك أيها العزيز وأنت تُرابط، العز رفيقك يا من يكسوه العزم تلو العزم، يا من يشتعل قلبهم، وتتعالى نيران الثأر في صدورهم، وترتجف أطرافهم غيرةً على الله ورسوله ودينه وشهدائه، يا مَن يغار علينا ونغار عليه…أصبحتُ موقنة أن الحرية حمراء… أصبحت موقنة بجملة السنوار التي صاحبته وصاحبتنا بعد استشهاده: *وللحرية الحمراء بابٌ بكل يد مضرّجة يُدَقُ.*

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى