من الكونغو إلى السودان… الوقت ينفد أمام صانع صفقات أفريقيا لدى ترامب مسعد بولس

أفريكا ريبورت – جوليان بيكيت
لحظة الحقيقة
واجه مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لشؤون أفريقيا، مسعد بولص، شهوراً من الجدل والانتقادات.
ففي البيت الأبيض، اعتبر بعض الموظفين أن تحركاته الأفريقية مضيعة لوقت الرئيس.
وفي الكونغرس، كان يُنتقد لأنه نادرًا ما يقدّم إحاطات لما يقوم به.
أما الخبراء المخضرمون، فاشتكو من أنه لا يطلب مشورتهم.
وفي الخلفية، تتراكم اتهامات بتضارب المصالح المتصلة بأنشطة عائلته التجارية.
والأخطر بالنسبة لمبعوث شخصي لرئيس يحب التفاخر — غالبًا قبل أوانه — بنجاحاته الدبلوماسية، أن تحركات بولص المحمومة لحل أزمات معقّدة من الكونغو الديمقراطية إلى السودان وصلت إلى طريق مسدود.
يقول أحد مساعدي الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسكيدي:
“انتقل من محبوب جدًا… إلى غير محبوب. الشعب الكونغولي قد يكون معك على الإفطار… وبحلول الغداء يتخلّى عنك إن لم تحقق نتائج.”
ومع ذلك، كان بولص هناك، بنظارته الشمسية المميزة وابتسامته الهادئة ولحيته الرمادية، يسير خلف الرئيس الأمريكي مباشرة في لحظة انتصار في شرم الشيخ.
عند نزول ترامب من الطائرة الرئاسية في 13 أكتوبر لاستقبال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بدا واضحًا أن مكانة بولص داخل الدائرة الضيقة للرئيس لم تتزعزع.
بعد ذلك، انضم بولص إلى مجموعة صغيرة من المسؤولين الأمريكيين لحضور توقيع ترامب على اتفاق وقف إطلاق النار التاريخي في غزة إلى جانب قادة مصر وقطر وتركيا.
يقول بولص لـ أفريكا ريبورت:
“التقدم في منطقة يخلق زخماً في أخرى… والإدارة تتخذ إجراءات حاسمة لمعالجة الصراع والأزمة الإنسانية في السودان.”
“فورست غامب الدبلوماسية”
بعد يومين فقط، اجتمع بولص في القاهرة بالرئيس السيسي ثم بقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان.
ثم توجّه إلى روما، حيث التقى رؤساء تشاد وتوغو ونيجيريا، وناقش ملفات تمتد من السودان إلى ليبيا وشرق الكونغو.
يصفه المسؤول الأمريكي السابق كاميرون هدسون:
“إنه مثل فورست غامب في الدبلوماسية… يظهر فجأة وسط الرؤساء، ولا تعرف كيف وصل إلى هناك.”
جولات لا تتوقف عبر أفريقيا
خلال ستة أشهر فقط، زار بولص 12 دولة أفريقية، ما جعله أبرز ممثلي الإدارة الأمريكية في القارة.
ورغم أن البعض يراه “وكيلًا حرًا”، فإن وزارة الخارجية تؤكد أن دوره جزء من العملية الرسمية.
لكن التقييمات حوله متباينة:
هل هو:
•جسر ثقافي قادر على لفت انتباه واشنطن لأفريقيا؟
أم
•هاوٍ غير متمرس يفتقر للدعم المؤسسي ليجعل السياسة الأمريكية فعّالة؟
يقول المحامي الكاميروني NJ Ayuk:
“يعجبني لأنه يمثل أسلوبًا مختلفًا من الدبلوماسية… لكنه يحمل مخاطرة أيضاً.”
من بياع شاحنات في لاغوس… إلى رجل ترامب في أفريقيا
ولد بولص في لبنان عام 1971، وتلقى تعليمه في تكساس.
وتزوج من ابنة الملياردير اللبناني زهير الفضل، أحد أكبر رجال الأعمال في غرب أفريقيا.
تملك عائلة فضل أكثر من 100 شركة في أفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط.
ويتنقّل بولص بين نيجيريا وفلوريدا.
وأصبح جزءًا من عائلة ترامب بعد زواج ابنه مايكل من تيفاني ترامب في 2022.
يقول أيّوك:
“هو أمريكي بالكامل… لكن كونه لبنانيًا وأفريقيًا يمنحه ميزة كبيرة.”
القادة الأفارقة — المتضجرون من “محاضرات” الغرب — يفضلون أسلوبه التجاري المباشر بدلاً من الخطاب الأخلاقي التقليدي.
مدافع شرس عن ترامب
عندما أثار ترامب جدلاً بتعليقه على إتقان رئيس ليبيريا للإنجليزية، سارع بولص للدفاع عنه.
وفي الأمم المتحدة، عندما وصفه صحفي من الكونغو بأنه «وجه الأمل»، قال بولص:
“الفضل يعود للرئيس ترامب… نحن فقط ننفذ رؤيته. إنه يريد السلام.”
لكن ذلك لم يمنع بعض الأصوات في “عالم ترامب” من محاولة تهميشه
الإحراج والاتهامات… والصعود مجدداً
تعرّض بولص لانتقادات بشأن:
•تضخيم مؤهلاته
•تضارب المصالح
•لعب دور خارج نطاق تكليفه
•علاقاته العائلية التجارية
•صفقاته الخاصة في ليبيا والكونغو
لكن مدافعين عنه يقولون إنه:
•بنى علاقات سريعة
•فتح أبوابًا مغلقة
•أعاد أفريقيا إلى قلب أجندة البيت الأبيض
يقول تيبور ناجي، مسؤول سابق في الخارجية الأمريكية:
“من ينجح في عمل تجاري في نيجيريا… يملك قدرًا كبيرًا من الذكاء العملي.”
ملف السودان: أصعب اختبار
هنا، تتعرض جهود بولص لأكبر تشكيك.
فقد اجتمع سرًا في جنيف بالبرهان وحميدتي في أغسطس، ما أثار قلق مراقبين يرون أن أسلوبه يميل إلى تصديق الوعود العسكرية دون تدقيق.
أخطاء تقديرية خطيرة:
•صرّح مبكرًا بأن قوات الدعم السريع ستسمح بدخول مساعدات إنسانية إلى الفاشر
ثم وقعت مجزرة المستشفى الأخير بعد الحصار.
تقول المحللة السودانية خلود خير:
“يبدو أنه يصدق ما يقول له الجنرالات… وهذا خطير.”
ضغط الكونغرس… وتصاعد الغضب من دور الإمارات
يواجه بولص موقفًا صعبًا:
الولايات المتحدة تتعرض لضغط داخلي وخارجي متزايد بسبب اتهام الإمارات بدعم قوات الدعم السريع في حملة وصفت بأنها «إبادة جماعية».
أعضاء نافذون في الكونغرس قالوا في بيان 30 أكتوبر:
“هذا ليس حرباً… بل إبادة جماعية منهجية.”
وطالبوا بـ:
•محاسبة قادة الدعم السريع
•إدراج المليشيا على قائمة الإرهاب
•مساءلة الإمارات على دعمها العسكري
بولص يرد
كتب بولص على منصة X في 29 أكتوبر:
“لا تكفي التصريحات… يجب ترجمة الوعود إلى أفعال لإنقاذ الأرواح.”
ويقول الآن إن دور ترامب هو تسهيل هدنة إنسانية بين الجيش والدعم السريع.
لكن محللين يرون أن:
•الاتفاقات التي يبرمها سطحية
•قصيرة الأجل
•لا تعالج جذور الصراع
•ولا تملك آليات تنفيذ
خاتمة: النجاح أو الفشل في السودان سيحدد مصير بولص
يدرك بولص — كما يقول — أن
“النمو الاقتصادي طويل الأمد يتطلب أولاً السلام والاستقرار.”
لكن قدرته على تحقيق اختراق في السودان موضع شك كبير، خاصة مع:
•فوضى العملية الدبلوماسية
•غياب الضغط الجاد على الأطراف
•تعقيد الدور الإقليمي
•التورط الإماراتي العميق
•توسع نفوذ إيران وروسيا والصين
إن فشله في هذا الملف قد يطيح بصورة “صانع الصفقات”،
بينما نجاحه — ولو جزئيًا — قد يرسّخ مكانته كلاعب أساسي في دبلوماسية ترامب الأفريقية.
Exit mobile version