مستقبل الاستثمارات الإماراتية في السودان.. السياسة تقود الاقتصاد

تقرير – رحاب عبدالله

العلاقات الإماراتية السودانية الاقتصادية يمكن تقسيمها إلى

علاقات في مجال الزراعة والصناعة والخدمات خاصة التجارة والمصارف وعلاقات في مجال تبادل الخبرات في مجال الزراعة، وللإمارات عدد من المشاريع الزراعية داخل السودان خاصة في الولايات الشمالية، وتعمل شركة أمطار (جنان) في مساحات واسعة بعضها تم تنفيذه وتصدر الأعلاف إلى الإمارات ودول الخليج الأخرى.

اتفاقيات لصالح الإمارات

وكان للإمارات مشروع ضخم تنفذه شركة أمطار في الشمالية لزراعة 220 مليون شجرة نخيل مع مصانع لمنتجات التمور وزراعة الأعلاف، وكان من المفترض أن يبلغ العائد 25 مليار دولار من منتجات التمور وثلاثة مليار من منتجات الأعلاف، ولكن لم يبدأ عمل هذا المشروع، ويعود ريع كل المشاريع الزراعية واتفاقياتها لصالح الإمارات فضلاً عن منحها تسهيلات وحوافز كبيرة ولا يعود للخزينة المركزية إلا القليل، وتستخدم الشركات الإماراتية غالباً العمالة الوافدة بصورة شبه كاملة ولا يستفيد منها إنسان المنطقة عكس مشاريع الراجحي التي يستفيد منها إنسان المنطقة والدولة وتساهم في الأمن الغذائي وتستخدم العمالة السودانية.

مساهمة الإمارات

ويرى خبراء اقتصاد أن مساهمة الإمارات في جانب الصناعة قليلة لدرجة العدم في المصانع التحويلية والغذائية ولكن لها دور كبير في صناعة وتجارة وتهريب الذهب، فحوالي 90% من ذهب السودان الذي يقدره البعض بحوالي 250 طن والبعض الآخر ب 80 طن والمسجل رسمياً ب37 طن والمتبقي يتم تهريبه، ولذلك المستفيد الأول من ذهب السودان هي الإمارات، ولذلك يطلق البعض على هذه الحرب حرب الذهب.

ورغم اعتراف الحكومة السودانية باستمرار صادر الذهب إلى الإمارات والتي بررها وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم برغبة شركات القطاع الخاص في التصدير لدبي، لكنه أشار إلى إجراءات جديدة خاصة بصادر الذهب قريباً.

والشاهد أن الإمارات أيضاً لها دور في مجال الخدمات خاصة التجارة فإن دبي التي يبلغ عدد سكانها أقل من مليون نسمة تصدر للسودان الذي يبلغ عدد سكانه 50 مليون نسمة سلع إعادة صادر وتستورد من السودان مواد خام وتتم تعبئتها وتصنيعها وإعادة تصديرها.

وكان السودان وما زال يتفادى العقوبات والحصار الاقتصادي عبر بنوك الإمارات بالإضافة إلى أن الامارات لها بنوك تعمل في السودان مع شراكات محلية.

كذلك الإمارات تحاول جاهدة الاستحواذ على أرض الفشقة الخصبة وعلى موانئ السودان، والبعض يعتقد أن ذلك واحد من أسباب الحرب، كذلك تقدر الاستثمارات السودانية في الإمارات بأكثر من 30 مليار دولار خاصة في المجال العقاري، وتوجد مجموعة كبيرة من الشركات السودانية في الإمارات، بينما لاتزيد استثمارات الإمارات في السودان عن سبعة مليار دولار ويوجد في الإمارات حوالي 300 ألف سوداني مغترب قبل الحرب، وزاد هذا العدد بعد الحرب، هؤلاء المغتربون يقومون بتحويل أموالهم للسودان والآن أكثر من 70% من هذه التحويلات تذهب إلى مصر لأسر المغتربين.

ضرر الطرفين

ويرى خبراء -فضلوا عدم ذكر إسمهم- إنه إذا تم قطع العلاقات الاقتصادية بين البلدين فإن الطرفين سيتضرران، ولكن حجم الضرر على الإمارات أكبر من ضرر السودان.

من جانبه رهن الخبير الاقتصادي د.هيثم فتحي مستقبل الاستثمارات الإماراتية في السودان بالعوامل السياسية والأمنية، على رأسها الموقف الإماراتي من الحرب الدائرة في السودان ودعم مليشيا الدعم السريع حسب شكوى السودان في مجلس الأمن.

وأوضح هيثم في حديثه ل(الأحداث) أن حجم استثمارات الإمارات في السودان تبلغ 7 مليارات دولار وتتركز في الزراعة والسياحة، مشيراً إلى أنه من قبل سنوات سابقة، تعهدت الإمارات بالتوسع بقوة في أسواق تتجاوز آفاقها المعتادة سعياً وراء النفوذ الجيوسياسي، ومنذ ذلك الحين، ضخت رؤوس أموال في أفريقيا أكثر من أي دولة أخرى، ومن هذه الدول السودان كدولة لها موارد طبيعية وبشرية مميزة إضافة لموقع هام، وهي تتنافس على النفوذ في قارة أفريقيا عموماً مع الصين وفرنسا وفي السودان خاصة مع دول أخرى.

وتعهدت الإمارات بضخ 53 مليار دولار من الاستثمارات في 2022، عندما تصدرت لأول مرة تصنيفات رؤوس الأموال المباشرة وهو ما يتجاوز مساهمات الصين

بمقدار عشرين مرة ومساهمات الولايات المتحدة بسبعة مرات و44.5 مليار دولار في عام 2023، أي ما يقرب من ضعف نظيره في الصين.

وأضاف أن الإمارات تستثمر في أفريقيا للتعويض عن نقاط ضعفها، بما في ذلك اعتمادها على الواردات الغذائية. ولتحقيق الأمن الغذائي، استحوذت الشركات الإماراتية على الأراضي الزراعية في السودان وزيمبابوي وأنغولا.

كذلك شركة موانئ دبي العالمية، تدير الآن تسعة موانئ في القارة، أشهرها السنغال وأنغولا وجنوب أفريقيا.

في العام 1978 عقب اتفاقية كامب ديفيد بين السادات وإسرائيل قاطعت أغلب الدول العربية السادات خاصة دول الخليج العربية وكنوع من الضغط على مصر وقتها تم إنهاء خدمات الكثير من العمالة المصرية في الخارج وتم تسفيرها إلى القاهرة فاعترض السادات تلك الطائرات وأرجعها من حيث أتت، وقال لهم إذا أردتم أن تنهوا خدمات المصريين بالخارج فرحلوا إلى الأطباء وأساتذة الجامعات وكباتن الطائرات والمدرسين والمهندسين وبعد ذلك سوف استقبل العمال فلم يستطيعوا الاستغناء عن هذه الكفاءات وتراجعوا عن قرارهم.

الإمارات هل تصلح كشريك للسودان؟


يقول الخبير الاقتصادي د.عادل الفكي إن حجم التبادل التجاري الكبير ما بين السودان ودولة الإمارات والذي يبلغ 4.4 مليارات دولار لا يشفع لها بأن تكون شريكاً استراتيجياً ولا شريكاً اقتصادياً للسودان، ذلك لأننا أوضحنا في أن اختيار الشريك الاستراتيجي يتم عبر فحص وقياس العلاقة من زوايا عناصر قوى الدولة الشاملة، وهي: السياسية والدبلوماسية، الأمنية والعسكرية، الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية، الإعلامية، العلمية والمعلوماتية، البيئية، والإنسانية.

ورأى أن العلاقة بالنسبة لعنصر السياسة والدبلوماسية في أدنى حالاتها بسبب الدعم السياسي الذي قدمته دولة الإمارات لمليشيا الدعم السريع المتمردة. وفيما يلي العلاقة الأمنية والعسكرية رأى أنها كذلك قد وصلت مرحلة القطيعة التامة بسبب الإمدادات العسكرية بالأسلحة والذخائر للمليشيا المتمردة، وتجنيد المرتزقة من دول الجوار للمليشيا، وتوفير المعلومات للمليشيا عن تحركات وتمركز القوات المسلحة السودانية، وتوجيه القصف المدفعي، وعمليات المسيرات القتالية عبر الإمكانيات المتقدمة التي تمتلكها مؤسسة الفضاء الإماراتية UAE Space Agency .

في أوقات سابقة قامت المؤسسات العسكرية السودانية كالكلية الحربية وأكاديمية نميري العسكرية بتدريب عدد من ضباط الجيش الإماراتي، وأسهم ضباط سودانيون في تأسيس مراكز التدريب في الإمارات، كما قامت كلية الشرطة السودانية بتدريب عدد من ضباط الشرطة الإماراتية، وقامت أكاديمية الأمن العليا بتدريب عدد من ضباط المخابرات الإماراتية كذلك، غير أن ذلك كله قد أصبح هباءً منثوراً بدعم الإمارات للمليشيا المتمردة.

وأضاف عادل الفكي أنه من ناحية العلاقات الاقتصادية والتجارية نجدها ظاهرياً كبيرة، حيث يصدر السودان للإمارات ما قيمته 2.3 مليار دولار، ويستورد منها ما قيمته 2.1 مليار دولار، حسب إحصاءات العام 2022، لافتاً إلى أنه عند التعمق في فحص مفردات صادراتنا للإمارات نجد أن 90% من الصادر هو الذهب الذي يستقر أخيراً في الصين والهند، حيث الإمارات دولة مستوردة ومصدرة للذهب في الوقت نفسه. وأغلب واردات السودان من الإمارات هي سلع مستوردة أساساً من الصين وتمر من المنطقة الحرة بجبل علي للسودان.

وعلى هذا فإن الشريك التجاري الأكبر للسودان هو في حقيقة الأمر الصين وليس الإمارات، مضيفاً أنه بقية عناصر القوى الشاملة ليست ذات وزن في العلاقة ما بين السودان والإمارات، خصوصاً أنه ليس ثمة جوار جغرافي، ولا قبائل مشتركة، ولا تبادل علمي أو تقني ذي بال، واستبعد عادل الفكي إمكانية قيام شراكة استراتيجية أو اقتصادية مع دولة الإمارات العربية في الوقت الحالي.

Exit mobile version