مارك تاونسند
يؤكد مُبلِّغ عن مخالفات أن تحذيرات من احتمال وقوع «إبادة جماعية» في السودان جرى حذفها من تقييم مخاطر خاص بوزارة الخارجية البريطانية، في خطوة تثير مخاوف جديدة بشأن إخفاق بريطانيا في التعامل مع الفظائع الدائرة في البلد الذي مزقته الحرب.
وقال محلّل التهديدات، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، إنه مُنع من التحذير من احتمالية وقوع إبادة جماعية في دارفور، وذلك من قبل مسؤولين في وزارة الخارجية والتنمية والكومنويلث (FCDO)، ضمن تقييم أُعد بعد أيام قليلة من اندلاع الحرب الأهلية في السودان في أبريل 2023.
ويعتقد المُحلّل أن القرار ربما اتُّخذ لحماية دولة الإمارات العربية المتحدة، الحليف الرئيس لبريطانيا، والمتهمة بتسليح قوات الدعم السريع التي ترتكب أعمال عنف ذات طابع إبادي في السودان.
وقال المُحلّل:
«تمت إزالة كلمة إبادة جماعية من تقريرنا. أي شخص درس السودان وأنماط السلوك فيه كان يعلم أن الإبادة كانت خطرًا واقعيًا».
وكان المُحلّل يقدم تقييمات دورية للـFCDO، وهي تقارير يمكن تداولها بين مختلف الإدارات الحكومية.
ووصف ذلك بأنه «رقابة»، مشيرًا إلى أن الأمر بالغ الخطورة لأن بريطانيا هي «حاملة قلم» السودان في مجلس الأمن — أي الجهة التي تتولى قيادة جهود المجلس بشأن النزاع.
وفي السياق نفسه، قال مسؤول سابق في الـFCDO مرتبط بفريق منع الفظائع بالوزارة إنهم يعتقدون أيضًا أن قمع التحذير من خطر الإبادة في السودان كان بهدف حماية الإمارات من التدقيق الدولي.
وقارن ذلك المسؤول صعوبة إثارة المخاوف المتعلقة بفظائع دارفور بالصعوبات نفسها التي واجهوها عند محاولة تسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
وأشار إلى أن الحفاظ على علاقة وثيقة بين لندن ورواندا — رغم دعم كيغالي لميليشيا M23 شرق الكونغو — يشبه إلى حد كبير بقاء العلاقات البريطانية قوية مع الإمارات رغم دعمها لقوات الدعم السريع (وهو ما تنفيه الإمارات).
صورة تظهر مدنيين سودانيين في معسكر في طويلة بعد فرارهم من الفاشر حين هاجمت قوات الدعم السريع المدينة وارتكبت مجازر جماعية.
وقال المسؤول السابق إن تقييمات الفظائع المتعلقة بالكونغو كانت «تُسقط لأسباب سياسية»، مضيفًا: «هذا النمط من السلوك يبدو أنه تكرر في حالة السودان».
من جانبها، قالت الـFCDO إن إصدار «تحديد رسمي للإبادة الجماعية» لم يكن يومًا مسألة سياسية.
وقال متحدث:
«المملكة المتحدة لا تُصدر أحكامًا رسمية بوقوع إبادة جماعية بناءً على اعتبارات سياسية. إنما يتم ذلك بناءً على حكم صادر عن محكمة مختصة، بعد النظر في الأدلة ضمن عملية قضائية ذات مصداقية، ولا يوجد حاليًا أي حكم من هذا النوع فيما يتعلق بالسودان».
بعد فترة وجيزة من إعداد التقرير المحذّر من الإبادة في أبريل 2023، كان العنف العِرقي يجتاح دارفور بالفعل — وهو الإقليم الذي سبق أن شهد إبادة جماعية ارتكبتها ميليشيا الجنجويد، سلف قوات الدعم السريع، والتي قُتل فيها ما يُقدّر بنحو 300 ألف شخص قبل عشرين عامًا.
وبعد شهرين من الوثيقة التي يزعم أنه جرى حذف مضمونها، ارتكبت قوات الدعم السريع أعمال عنف ذات طابع إبادي في مدينة الجنينة. وتقدّر الأمم المتحدة أن نحو 15 ألفًا من أبناء المجتمعات غير العربية في دارفور قُتلوا في تلك الأحداث.
ويقول المُحلّل إنّه حتى بعد فظائع الجنينة، كان يُحظر عليه استخدام كلمة إبادة جماعية في تقييماته اللاحقة.
صورة: رسومات أطفال على جدار في الجنينة تجسّد العنف الذي شهدوه.
وفي الشهر الماضي، استولت قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور، مما أدى إلى عمليات قتل جماعية منهجية شبّهها الخبراء بالأيام الأولى لإبادة رواندا.
ومع حصار المدينة وتحولها إلى مسرح جريمة واسع، تشير المعلومات الاستخباراتية إلى أن قوات الدعم السريع أمضت أسابيع في التخلص من الأدلة، ورُصدت مقابر جماعية وعمليات حرق للجثث. وما زال عشرات الآلاف من سكان المدينة في عداد المفقودين.
وقال المُبلّغ إنهم قدموا للـFCDO — بعد أيام من بدء الحرب في 15 أبريل 2023 — تقييماً يتضمن سيناريوهات أزمة محتملة، كان يمكن تمريره إلى أنظمة الإنذار المبكر للأمم المتحدة أو أجهزة الاستخبارات البريطانية أو اجتماعات «كوبرا» الحكومية.
لكن المسؤولين في الوزارة طلبوا من المُحلّل ألا يذكر «خطر وقوع إبادة جماعية في دارفور»، وأن يكتفي بالإشارة إلى «خطر عودة دارفور إلى نمط النزاعات السابقة».
قال المُحلّل:
«لم أفهم سياسة دفن الرؤوس في الرمال – الحاجة إلى استخدام لغة أكثر وديّة في مواجهة خطر واضح».
وقد اطّلعت الغارديان على التقرير النهائي، لكنها لم تُفصح عن تفاصيله لحماية هوية كاتبيه.
وقال عبد الله أبو قردة، رئيس رابطة دارفور في المملكة المتحدة، إن الأخبار تثير «قضايا بالغة الخطورة».
وأضاف:
«يبدو أن مسؤولي الخارجية البريطانية قللوا عمدًا من خطر الإبادة في اللحظة التي كان السودان ينحدر فيها نحو واحدة من أسوأ موجات الفظائع في الذاكرة المعاصرة».
لطالما أصدر الخبراء تحذيرات بشأن تصاعد مخاطر الفظائع في السودان. ففي العام 2022، كتبت مجموعة العمل المدنية البريطانية لمنع الفظائع — وهي مظلة تضم منظمات حقوقية — إلى الوزراء محذرة من أن «سياسات المملكة المتحدة تجاه السودان تفتقر إلى التركيز على منع الفظائع».
وتكررت التحذيرات في يونيو 2023 أثناء ارتكاب الفظائع في الجنينة. وأبلغ الخبراء لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان بأن خطر الفظائع مستمر في السودان، وأن فريق السودان في الـFCDO غير مجهز للتعامل مع ذلك.
وقالت الخبيرة في العنف الجماعي كيت فيرغسون للنواب إنها تعتقد أنه حتى عندما تُرفع التحذيرات – سواء في دارفور أو الخرطوم – «فإن وزارة الخارجية لا تمتلك نظامًا يسمح بتمرير تلك التحذيرات بسرعة وفعالية إلى مكتب الوزير».
وتساءلت فيرغسون عمّا تغيّر منذ ذلك الحين:
«من الصعب رؤية كيف تُرجمت سنوات من التحذيرات بشأن عودة الإبادة في دارفور إلى سياسة واضحة لمنع الفظائع أو حماية المدنيين — حتى الآن، مع عشرات الآلاف المفقودين في الفاشر، والذين يواجهون أخطارًا لا يمكن تخيلها أو ربما لقوا حتفهم بالفعل».
وأضافت:
«إيقاف الإبادة ليس أمرًا سهلاً، لكنه ممكن. ولهذا من الضروري أن يثق رئيس الوزراء ووزير الخارجية في التحليل الذي يتلقونه عن العنف الجماعي، وأن تكون خيارات الوقاية مطروحة بجدية وتتناسب مع حجم الخطر».
وتابعت:
«هجمات قوات الدعم السريع على المدنيين السود تعود جذورها إلى نمط طويل من استهداف السكان السود والأصليين. سيستمر هذا العنف — لذا يجب أن تكون خبرات حكومتنا البريطانية وقدراتها على قدر هذه اللحظة العاجلة».
وقال مسؤول سابق في «مكتب الصراعات والاستقرار والوساطة» إن الصعوبات في رفع التحذيرات حول دارفور شبيهة تمامًا بالتحديات المرتبطة بالكونغو.
وقال:
«كنا نحذر باستمرار من مخاطر الفظائع في الكونغو، لكن ذلك كان في وقت كانت حكومة بريطانيا تدفع بسياسة الترحيل إلى رواندا، وكان من غير المرغوب سياسيًا إثارة انتهاكات رواندا في الشرق الكونغولي».
وأضاف:
«هذا النمط ذاته تكرر في السودان. ويجب النظر إلى الإمارات لفهم سبب تردد بعض المسؤولين في التحدث بصراحة حول ما يحدث هناك».
وأكد المسؤول أن الأدلة حول تورط الإمارات في السودان كانت تصل «منذ الأيام الأولى للحرب – وبشكل متزايد»، في الوقت ذاته الذي كانت الوزارة تجمع فيه الأدلة حول احتمال وقوع إبادة جماعية جديدة في دارفور.
وتواصل الإمارات نفي تقديم أي دعم عسكري لقوات الدعم السريع.
