محادثات مرتقبة لإنهاء حرب السودان: فرص واقعية أم تفاؤل دبلوماسي؟

أكد مستشار الرئيس الأميركي لشؤون أفريقيا والشرق الأوسط مسعد بولس أن الجيش السوداني وقوات الدعم السريع “يقتربان من محادثات مباشرة” لإنهاء واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية عالميًا. ونقلت بلومبيرغ أن واشنطن تُجري نقاشات مع الطرفين للاتفاق على “مبادئ عامة” وأن كليهما “مستعد للتحدث” لغياب السيطرة الحاسمة على الميدان. وأشار بولس كذلك إلى موافقة «الدعم السريع» على إدخال مساعدات إلى الفاشر، مع حديث عن بدء تدفق محدود للإمدادات. حتى الآن، لم تؤكد مصادر أممية هذا الدخول فعليًا إلى داخل المدينة.  

خلفية المسار: «خارطة الرباعية» بجدول زمني مضغوط

يأتي الدفع الأميركي متزامنًا مع ما بات يُعرف بـ«خارطة الرباعية» (الولايات المتحدة، السعودية، الإمارات، مصر): هدنة إنسانية لثلاثة أشهر تتبعها هدنة دائمة، ثم مسار سياسي لتسعة أشهر وصولًا إلى حكومة انتقالية بقيادة مدنية. رحّبت بها منظمات وتحليلات مستقلّة، مع التحذير من هشاشتها إن لم تقترن بضمانات تنفيذ قوية وآليات ضغط على المخالفين.  

المشهد الإنساني: الفاشر على الحافة

تبقى الفاشر بؤرة الأزمة: أكثر من 260 ألف مدني، نصفهم أطفال، تحت حصار محكم منذ نحو 500 يوم، مع تقارير متواترة عن مجاعة وحرمان واسع من الرعاية الصحية والمياه. حذّرت اليونيسف في أواخر أغسطس من “مأساة مدمرة” للأطفال وكررت المطالبة بوقف القتال وفتح ممرات آمنة. كما تشير تحديثات أممية حديثة إلى تفاقم الجوع والكوليرا والقصف داخل المدينة ومحيطها. وفي الأيام الأخيرة، قُتل عشرات في هجمات بطائرات مُسيّرة على مسجد وسوق مزدحم، ما يبرز هشاشة الوضع ويدحض أي انطباع بتحسّن أمني.  

أين تقف المحادثات المحتملة؟

وفق بلومبيرغ، تتحدث واشنطن مع الطرفين لوضع “مبادئ عامة” تمهّد للقاء مباشر. نظريًا، ستتداخل هذه المبادئ مع هدنة إنسانية قابلة للتمديد، وترتيبات وصول المساعدات، وإجراءات خفض التصعيد (وقف القصف بالطائرات المُسيّرة والمدفعية داخل المدن)، إضافة إلى آليات مراقبة و”خط ساخن” لمعالجة الخروقات. لكنّ القبول الشكلي يختلف عن التنفيذ في الميدان—خصوصًا في مدن محاصرة مثل الفاشر حيث تتراكم الاتهامات بالاستهداف العشوائي والقتل على الهوية.  

لماذا قد تنجح الآن؟

• توازنُ عجز: لا أحد يملك نصرًا سريعًا، ما يخلق حافزًا لتجريب مسار سياسي يخفّف كلفة الحرب.  

• غطاءٌ إقليمي موحّد نسبيًا: دخول الرباعية بجداول واضحة يحدّ من ازدواجية المسارات السابقة (جدة/أديس/إيغاز/الدوحة…) ويُسهل التعبئة للضغط والتنفيذ.  

• صدمات إنسانية متصاعدة: تزايد الكلفة البشرية والضغوط الأممية/الإعلامية (الفاشر نموذجًا) قد يدفع لبوادر تنازل تكتيكي يفتح باب مفاوضات أوسع.  

ولماذا قد تفشل؟

• واقع الفاشر: استمرار الحصار والهجمات ينسف مصداقية الوعود بـ”تدفق مساعدات”، ويُظهر قدرة الفاعلين الميدانيين على تعطيل أي تفاهم.  

• تعدد الميليشيات وسُلّم القيادة: السيطرة غير المحكمة، والولاءات المحلية/العابرة للحدود، تُضعف التزام أي طرف مركزي بالاتفاقات. (تحذير طرحته تقارير بحثية عن هشاشة «تقويم المواعيد» بلا تغيير في الحوافز والسلوك).  

• توازنات الرعاة: اختلاف حسابات الداعمين الخارجيين، وسجلّ الانتكاسات في قمم سابقة، يوحي بأنّ توحيد “المظلّة” الدبلوماسية أصعب من إعلانه.  

رأي خبراء وسياسات

• مجموعة الأزمات الدولية ترى أن نجاح أي خريطة طريق مرهونٌ بمراحل متسلسلة واقعية، تبدأ بتهدئة إنسانية قابلة للقياس، وآليات مراقبة، وتحييد “المفسدين”، وإشراك طيف مدني واسع—not مجرد توقيع. وتؤكد أن جدولة السلام دون معالجة دوافع القتال لن تكون كافية.  

• تحليلات سياسات إقليمية تحذّر من دبلوماسية “التقويم” التي تضغط نحو مهل صارمة (3+9 أشهر) من دون أدوات لردع الخروقات أو تدفّق السلاح، ما يُعرّض الخطة للانهيار عند أول اختبار ميداني.  

• المنظمات الأممية (اليونيسف/أوتشا) تشدد على أن وصول المساعدات إلى الفاشر هو معيار أولي للحكم على جدية أي تعهدات؛ وكل يوم تأخير يعني خسائر بشرية متزايدة بين الأطفال والنساء.  

السيناريوهات القريبة

1. اختراق إنساني أول: إعلان هدنة محلية حول الفاشر، مع أول قافلة أممية مؤكدة (توثيق دخولها للمدينة). هذا سيكون اختبارًا حاسمًا لمصداقية تصريحات “بدء التدفق”.  

2. محادثات مباشرة محكومة: لقاء أولي برعاية الرباعية مع آلية مراقبة مشتركة وخطوات بناء ثقة (تبادل محتجزين، فتح معابر). نجاحُه مرهون بقدرة الرعاة على ضبط “المفسدين” الميدانيين.  

3. تعثر سريع: تصعيد جديد في الفاشر أو هجوم نوعي يُفجّر الزخم، ويؤجل المسار السياسي إلى أجل غير مسمّى—وهو نمط تكرر في محطات سابقة.  

 

خلاصة تحريرية

• الخبر صحيح من حيث الإسناد: بلومبيرغ نسبت مباشرة لمسعد بولس اقتراب محادثاتٍ مباشرة. لكنّ تحقق المكاسب على الأرض—وخاصة في الفاشر—هو الميزان الحقيقي لقياس جدّية أي انفراجة. إلى أن تُوثَّق قوافل مساعدات داخل المدينة، تبقى الوعود تفاؤلًا دبلوماسيًا مشروطًا أكثر منها تحولًا ملموسًا.  

Exit mobile version