مجازر تنفذها ميليشيا الدعم السريع في دارفور السودانية.. والفيديوهات تكشف الفظائع

نايروبي — شنّ مقاتلو قوات الدعم السريع حملة قتل واسعة بعد سيطرتهم على مدينة الفاشر، وفقًا لمقاطع فيديو وصور أقمار صناعية وشهادات من الداخل، في تأكيد قاتم للتحذيرات المتكررة خلال الأشهر الماضية من منظمات حقوقية وناشطين محاصرين داخل المدينة.

كانت الفاشر آخر منطقة كبرى في إقليم دارفور خارج سيطرة الدعم السريع، وخضعت لحصار دام عامًا ونصف. فالمدينة التي كانت تضم أكثر من مليون نسمة، لم يتبقَّ فيها سوى نحو 250 ألف مدني يعانون الجوع. كثيرون ممن حاولوا الفرار قُتلوا أو اختُطفوا على يد مقاتلي الدعم السريع.

وبينما كان ممثلون كبار من الدعم السريع والجيش السوداني في واشنطن نهاية الأسبوع الماضي للقاء دبلوماسيين أميركيين سعوا لانتزاع هدنة، كانت المدفعية تنهال على المدينة قبل أن تدخل قوات الدعم السريع برًا يوم الأحد، بعدها انقطعت الاتصالات تمامًا.

هذا التعتيم يجعل حجم المجازر غير قابل للتقييم الكامل، إلا أن المقاطع التي خرجت تكشف لمحة مرعبة.

بعض هذه المقاطع صوّرها عناصر الدعم السريع بأنفسهم ونشروها بفخر، وهم يسخرون من المدنيين المذعورين قبل إطلاق النار عليهم من مسافة قريبة. ويبرز في تلك التسجيلات اللواء بالفصيل أبو لولو (الفتّاح عبد الله إدريس)، الذي تفاخر الاثنين بأنه ربما قتل أكثر من 2000 شخص.

وقال عامل إغاثة يساعد الفارين، مشترطًا عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، إن منظمته تلقت روايات متطابقة عن فصل الرجال والفتيان عن عائلاتهم وتعذيبهم أو قتلهم. وقال مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الاثنين إنه يتلقى “تقارير مروعة متعددة” عن “إعدامات ميدانية” وجرائم مروعة ضد المدنيين.

ينحدر غالبية مقاتلي الدعم السريع من مجموعات تصف نفسها بأنها عربية، فيما ينتمي مقاتلون محليون قاتلوا إلى جانب الجيش في الفاشر إلى قبائل ذات هوية إفريقية.

وفي تحليل لصور الأقمار الصناعية، رصدت مدرسة الصحة العامة في جامعة ييل آثار بقع دم كبيرة يمكن رؤيتها من الفضاء، ومركبات عسكرية قرب تجمعات جثث.

صور أخرى من شركة “بلانيت لابز” أظهرت حروقًا بطول نحو ثلاثة كيلومترات على طريق شمال الفاشر، مع حروق إضافية قرب ساتر ترابي بناه الدعم السريع لإغلاق طريق الهروب. وتم التحقق من مقاطع تُظهر جثثًا متراكمة ومركبات محترقة في تلك المواقع.

وفي الوقت الذي كانت الصور تتوالى من المدينة، شوهد القوني دقلو، القيادي في الدعم السريع، يبتسم في فندق فاخر بواشنطن كجزء من وفد الجماعة، رغم العقوبات الأميركية المفروضة عليه. والتقى مسؤولو الجيش والدعم السريع دبلوماسيين أميركيين الخميس والجمعة لمحاولة التوصل إلى هدنة لثلاثة أشهر، لكن الطرفين رفضا التنازل اعتقادًا بإمكانية تحقيق النصر العسكري.

وقال مسؤول رفيع في الخارجية الأميركية إن بلاده لم تحقق اختراقًا سياسيًا، مؤكداً أن التركيز الآن على وقف الفظائع وفتح مسارات الإغاثة. وكتب مسعد بولس، كبير مستشاري الشؤون العربية والأفريقية بوزارة الخارجية الأميركية، على منصة X: «على الدعم السريع التحرك فورًا لحماية المدنيين ومنع المزيد من المعاناة.»

الدعم السريع لم يرد على طلبات التعليق، لكنه قال في بيان الاثنين إنه ينفذ عمليات “تمشيط واسعة النطاق” لاستهداف “آخر معاقل الإرهابيين والمرتزقة”، مؤكداً “التزامه بحماية المدنيين”.

لكن الفيديوهات تكذب ذلك، وتسلط الضوء على الإفلات من العقاب في حرب أهلية اندلعت في أبريل 2023 بعد خلاف بين قائد الدعم السريع وقائد الجيش. واتُّهم الطرفان بارتكاب جرائم حرب، وفرضت عليهما عقوبات أميركية وأوروبية فيما تحولت الحرب إلى أسوأ كارثة إنسانية في العالم.

دول إقليمية واصلت تغذية النزاع: تلقت الدعم السريع أسلحة ودعمًا من الإمارات، بينما تلقى الجيش أسلحة من إيران وتركيا. ودفعت الطائرات المسيرة ومنظومات الدفاع الجوي الحديثة النزاع نحو مزيد من الدموية، لكن فظائع الفاشر نُفذت وجهًا لوجه.

“لن أرحمك”

صُورت مقاطع إعدام بالقرب من الساتر الترابي المحيط بالمدينة، يظهر فيها أبو لولو وخلفه جثث متراصة، فيما يسخر من أسيرة قبل أن يُبلَّغ بأنها قُتلت. وفي فيديو آخر يتوسل جندي لإنقاذ مدني معروف، فيرد أبو لولو: «والله ما بخليه»، قبل أن يطلق النار عليه قائلاً: «شغلنا القتل بس».

وفي أحد المقاطع، يُجبر عشرة شبان على مدح الدعم السريع قبل إطلاق النار عليهم واحدًا تلو الآخر. وفي تسجيل لاحق قال أبو لولو إن “رصيده” من القتل تجاوز 2000 شخص.

مسؤول في الخارجية الأميركية قال إن واشنطن أثارت سلوك أبو لولو مع قيادة الدعم السريع، فيما أكد تقرير ييل أن الصور تتطابق مع إعدامات بالقرب من الساتر.

“لا ملاذ”

قُتل كثير من السكان جراء القصف قبل اقتحام المدينة، بما في ذلك عاملون إنسانيون. وقال مفوض حقوق الإنسان الأممي فولكر تورك إن مدنيين كانوا يموتون جوعًا وهم يأكلون علف الحيوانات والأعشاب. وتعرض من حاول الفرار للخطف أو الاغتصاب أو القتل.

وقالت الأمم المتحدة الثلاثاء إنها “مروعة” من تقارير عن “إعدامات، هجمات على المدنيين على طرق الفرار، مداهمات المنازل، واغتصاب للنساء” واعتقال أو قتل مسعفين محليين.

من بين المعتقلين الصحفي معمر إبراهيم، آخر من كان يغطي الأحداث من داخل المدينة. كما قُتل الناشط محمد دودا الذي كان يعمل في مطبخ خيري.

وظهرت رسائل في مجموعات واتساب تحذر من الاتصال بالمختطفين أو ذكر أسمائهم، فيما تزايدت الإعلانات عن حالات قتل مؤكدة.

الناجون الذين وصلوا الى طويلة كانوا في الغالب نساءً وأطفالًا وكبار سن. وقالت أم وصلت الاثنين إنها خرجت خوفًا على طفلتها الرضيعة التي كانت تحتضر جوعًا، بينما بقي زوجها و”اختفى أثره”.

Exit mobile version