ماذا يعني تحرير منطقة الإذاعة والتلفزيون شرقي أم درمان؟

محمد جلال أحمد هاشم
تواترت الأنباء ما بين الأمس واليوم عن تحرير وشيك لمنطقة الإذاعة والتلفزيون بشرقي أمدرمان من قبضة مليشيات الجنجويد المجرمة. بصرف النظر عن صحة هذه الأخبار من عدمها، دعونا نتأمل فيما يعنيه هذا الأمر حال تحققه. في رأينا أنه يعني الكثير من الناحية العسكرية والإعلامية والمعنوية. أدناه سوف نستعرض هذه الأهمية.
أولاً، إنها تعني (وفق ما تواتر من معلومات أكدتها عدة مصادر وإفادات) تحرير الرهائن من رجال ونساء مدنيين أبرياء ظلت المليشيات المجرمة تحتفظ بهم كرهائن وبغرض اتخاذهم كدروع بشرية، بل استخدام حرم مباني الإذاعة والتلفزيون كسجن، فضلاً عن كل ما يقال من وضعيات الاغتصاب الممنهج من قبل تتار هذه المليشيات التي لا علاقة لها بأخلاقيات الشعب السوداني.
                                  *
ثانياً، إن تحرير هذه المنطقة يعني عودة الماكينة الإعلامية للدولة من مقارها. ما يعني أيضاً عودة الحياة الفكرية والثقافية والاجتماعية إلى سابق عهدها، ما يعني تكريس حالة نظامية الدولة order of State مقابل الفوضى وكل معالم تسييل مؤسسة الدولة التي شهدتها ولا نزال نشهدها أينما حلت مليشيات التتار الجنجويدية.
ثالثاً، تحرير منطقة الإذاعة والتلفزيون يعني عودة الحياة الطبيعية على طول الشريط النيلي في أطول شارع بأمدرمان وهو شارع النيل. وهذا يعني عودة شريان الحياة الاجتماعية الذي يربط مدينة أمدرمان من أقصاها جنوباً إلى أقصاها شمالاً.
رابعاً، تحرير هذه المنطقة يعني تسجيل هزيمة مرة لمليشيات الجنجويد باعتبار أن موقع الإذاعة والتلفزيون هو أحد أقوى الحصون من ناحية عسكرية. وتعود قوة هذه التمارين والتحصّن إلى عدة عوامل، أولها احتداد الموقع بالنيل شرقاً، ثم ثانياً تواجده داخل حي سكني هو حي الملازمين، ثم ثالثاً إحاطته مباني عالية، الأمر الذي يتيح لمليشيات الجنجويد فرصة سانحة للترصد وتموقع القناصة.
خامساً، استمرار انهزام مليشيات الجنجويد عبر الاشتباك العسكري وبالتالي فقدانها لمواقعها الحصينة مقابل عدم تحقيقها لأي نصر مشابه من خلال ميدان الاشتباك العسكري. فحتى اليوم لم يحدث أن استلمت مليشيات الجنجويد أي موقع عسكري من الجيش عبر الاشتباك العسكري الميداني، فكل المواقع التي استلموها من الجيش كانت عبر الانسحاب التكتيكي للجيش مع الاحتفاظ بالقوة كاملة، غير منقوصة، على عكس الحال مع مليشيات الجنجويد.
سادساً، الأثر النفسي السلبي وتكريس الإحساس بالهزيمة بين مليشيات الجنجويد، وبالتالي تحرير موقع الإذاعة والتلفزيون بأمدرمان يعني عملياً بداية النهاية للحرب في الخرطوم، ما يعني الانطلاق نحو تحرير وتنظيف بقية المناطق شرقي النيل ثم ما بين النيلين. فإستراتيجية امدرمان تكمن في أنها تمثل نقطة الاتصال الأخيرة بكلا خطي الإمداد والانسحاب، ذلك باعتبار منطقة أم جرس بتشاد هي نقطة الإمداد ونهاية الانسحاب الأولى. فإذا فقدت مليشيات الجنجويد أمدرمان، عندها تصبح منطقة شرق النيل إلى حدود الحبشة، وكذلك منطقة ما بين النيلين إلى حدود جبال الفونج، مروراً بالجزيرة ومدني، أكثر قابلية للتحرير كونها مناطق مسطحة ومكشوفة وغير صديقة لمليشيات الجنجويد، ومنقطعة عن أي إمداد ولا مخرج أمامها لأي انسحاب. وهذا هو الخطأ الإستراتيجي القاتل الذي وقعت فيه مليشيات الجنجويد لجهلها بإستراتيجيات وتكتيكات الحرب. فقد وقعت في الشرك الذي نصبه لها الجيش السوداني بالعبور من أمدرمان شرقاً وانقطاعها عن خطوط إمدادها وخطوط انسحابها، ثم كذلك انبتاتها عما تعتقده هذه المليشيات وتنظر إليه كحواضن اجتماعية في كردفان ودارفور. أصلاً نقطة ضعف مليشيات الجنجويد هي أنها في كلا الإمداد والانسحاب تعتمد على خط واحد، وبالتالي قفل هذا الخط يعني قفل الطريق أمام الإمداد والانسحاب معاً في وقت واحد. وكنت في بداية هذه الحرب قد كتبت مقالاً أشرت إلى هذا بكل وضوح وقلت بأن خطة الجيش تكمن في حشر مليشيات الجنجويد في منطقتي شرق النيل وما بين النيلين.
Exit mobile version