ماذا بعد الفاشر؟

الدكتور الخضر هارون
سقوط الفاشر في أيدي الجنجويد بعد صمود أسطوري ، كان ثقيلا علي كل أبناء السودان مما يؤكد تمسك غالبية السودانيين بوحدة التراب الذي نعيش فوقه وأن دعوات تقطيع أوصال الوطن ليسهل التهامه بالكامل انطلاقا من هناك ليست سوي دعوات ناشذة وشنشنات ممن لازالوا يحسبون أن الحرب الضروس التي نعيش لظاها ينبغي أن تكون مطية للوصول إلي الحكم . نرجو أن يتحول وجع الفقد الأليم وصرخات الثاكلات من الأمهات والرصاص الغادر المأجور يفتك بهن وبالرضع علي صدورهن من أطفالهن، سبيلا لإيقاظ الجميع من أحقاد الماضي و أن نوقن جميعاً بأن العدوان المدعوم يستهدفنا جميعا في أقصي اليمين واقصي اليسار والوسط عينه علي البلد بكل خيراته وأن رؤية الأمر بعدسات التحزب الضيق والتعصب الأعمي علي طريقة مريخ وهلال خيانة عظمي لوطن شامخ عزيز وإنه لمن المحزن حقا أن تكون ردة فعل بعض المخدوعين بل الموتورين والأغرار اما شماتة علي فريق بعينه أو فرحة غامرة مردها النيل من قطاع أو مكون من مكونات السكان أو غبطة بسقوط المدن علي يد مليشيات تدعمها دول ومنظمات لتقتل وتحرق وتدمر وتغتصب وتذبح أبرياء وبريئات علي الهوية، تلك جائحة وجريمة تستدعي منا جميعا ودون فرز الحزن والأسي فإنها والله أصابت دواخلنا بالأسي والحرقة وإنا لنرجو أن يستنهض عظم المصاب هممنا ويشحذ قدراتنا ويوقظ أفضل ما فينا لتناسي الخلافات والنهوض لحماية الوطن بما يملك كل واحد منا من القدرات . هذا ما يعنينا كأفراد ومنظمات وأحزاب وجماعات. هذه منعطفات في تاريخ الشعوب لا ينطلق فيها الناس من منصات عرقية أو سياسية أو أيدولوجية فالنيران التي تشتعل لا تحسن الفرز والتمييز.

بالنسب لحكومة السودان فقد حان الوقت للتخلي عن خطة الإيحاء للمواطنين وللأجانب بأن الأمور طبيعية في مناطق سيطرة الجيش والحكومة وهو ما يعبر عنه الفرنجة بالقول Business as usual ومع ذلك لا نقول ذلك علي إطلاق فبعضه ضروري لا يتم الواجب ، إلا به ولا تستقيم حياة الناس في غيابه بالكلية فموقعه خارج دائرة الايحاء ، ففيه استشراف للمستقبل لبعث الأمل ومحاربة الإحباط واليأس القاتل للفعل وبعضه ضروري لازم مثل : تشجيع مواسم الزراعة في أماكن الزراعة درءاً للجوع، وجلب العون الدوائي من الأصدقاء والمنظمات الدولية وترميم المستشفيات والمدارس وإعادة الحياة لقوات الشرطة لحفظ الأمن وحماية المواطنين وأهم من ذلك كله تشجيع النازحين واللاجئين من السودانيين للعودة لدورهم ومناطقهم .ويتبع ذلك ما تقوم به أجهزة الإعلام الرسمية الآن من إبراز ذلك لتحقيق تلك الغايات باستقبال ممثلي الدول الصديقة والمنظمات الدولية المتخصصة .
لكن حان الوقت لتقليل تلك التغطيات للحد الأدني حتي لا يعيش المواطن والمسؤول معاً في خدر زائف نتيجته التراخي والغفلة ودس الرؤوس في الرمال ولعلكم تذكرون من زمن الطفولة طرفة أشعب الأكول وكيف أنه صرف صغارا زفوه بكذبة ثم صدقها! فالخطر باق بعد سقوط الفاشر معبر عنه بلسان الحال والمقال فخذوا حذركم .هناك تطويل في عرض أوجه النشاط العادي بما يشبه التهويل والسماح لكل زائر بإطالة نقل ما يقول بما يجعل كثيرين منهم يتبارون في زيارات المسؤولين لغرض الإشهار وتدبيج التقارير . و( ما فيش حد أحسن من حد!) ويجب بعد تقليل التغطية اهتبال الفرص لإبلاغ ( الأشقاء ) منهم في الغرف المغلقة بلا أذان ،العتب الشديد علي دولهم بعد انتهاء فقرة التصوير وتمليكهم السردية الصحيحة للحرب وتزويدهم بما يؤكدها من أدلة وبراهين فنحن في حالة حرب لا مجال فيها للمعتاد من التشريفات ومقتضيات البروتوكول، ويقال لهم بأن بعض الصمت وإن كان تعاطفا من القلب يعد فعلاً يبارك العدوان علي السودان وتحميلهم رسائل إلي قيادات بلدانهم بذلك.
– [ ] الأمر يقتضي إعادة النظر في الترهل الحكومي والبلاد تنزف دماً وأرواحا وتقليله بدمج الوزارات والمؤسسات إلي الحد الأدني الذي لا يتم الواجب إلا به وتحويل ممثليات الدولة في الخارج جميعاً إلي خلايا دائمة الحراك لتبيان الحقائق وحشد التأييد مع قطاعات الشباب الحر في الجامعات والمنظمات والإشارة الصريحة وبالاسم للدول الوالغة في الدم أولا وقبل قوات الدعم السريع ثم التعريف بالدعم السريع وطبيعته العنصرية القبلية وأنه ليس سوي الجانحويد الذي اتهم في عام ٢٠٠٣ بالإبادة الجماعية للقبائل الإفريقية ولتقام معارض في الفنادق الكبري تزين بالصور الثابتة والمتحركة مترجمة. والتعرض للبلاد التي تؤجج هذه الحرب وللبلدان التي تسوق السودان كل أسبوع لمجلس الأمن الدولي في سباق مفضوح يروم التغطية علي جرائم دولة الإمارات العربية المتحدة بالأحاديث عن المجاعات في السودان ووصف الوضع الغذائي بأنه الأسوأ في العالم .وكان ذلك يقتضي التصدي لأسباب حدوثه بإدانة الدولة التي ترسل السلاح والمؤن والمرتزقة وكف أذاها لكن يروج لذلك للتحريض والتهديد بالتدخل الدولي لإنقاذ قوات الدعم السريع وفرض نظام للحكم ولا يقرره شعب السودان.
– [ ] وفي سياق إدراج الشعب وتوسيع دائرة الشوري لابد من ترفيع ممثلين للشعب من المحليات وعبر الولايات إلي المستوي الاتحادي يطعّم بأكاديميين في الميادين المختلفة وشخصيات قومية مستقلة ذات قبول عام لتكوين مجلس استشاري قومي يعين الحكومة علي اتخاذ القرارت المصيرية ويعين ممثلي الشعب علي التعرف علي حجم المؤامرة علي البلاد حتي يقوموا بدورهم إزاءها ريثما تسمح الظروف بالانتخابات.
– [ ] أما المنهج والطريقة التي تعمل بها الحكومة بإخفاء تحركاتها في شأن يخص كل الناس معيبة وفيها استخفاف بملايين السودانيين أصحاب الحق في معرفة ما يدور. والثقة العظيمة التي حازها الجيش لدي جل السودانيين تتم المحافظة عليها بإبلاغ قيادة الدولة الناس بحقائق الأمور علي نحو :
– [ ] “إن بلادكم تتعرض لعدوان تكاد تجمع علي دعمه القوي الاقليمية والدولية ماديا واعلاميا وبالسلاح الفتاك يروم استئصال هذا السودان أرضا وبشرا و قد ظل هذا العدوان ثابتا منذ الاستقلال لا يتغير بتغير الحكومات والنظم بل يتخذ أشكالا وأساليب شتي تقتضيها الظروف الدولية والمحلية ،والسودان إزاء ذلك،يقف وحيدا لا نصير له. نحن ندفع عن عن البلد بإمكانيات مادية قليلة وشحيحة بالنظر لما يملكه العدوان فننجح في التصدي له بفضل الله وبعزائم الشباب ومهجهم وعزائمهم ونخفق أحيانا بطبائع الأشياء.”
– [ ] إن مثل هذا القول الصحيح والصريح يعفي الحكومة من اللوم ويقيها من التهم الجزافية ويمنحها صبر الناس علي المعاناةً وشح الكهرباء والمياه ونقص الدواء وذاك شأن الكريم الأبي الذي لا ينام علي الضيم والذي يعاني ويحتمل ما يحفظ عليه كبرياءه وعزته كإنسان جدير بالتكريم .. وليتبع ذلك ترك هذه الخطابات الموغلة في العموميات علي شاكلة ( سننتصر علي مليشيا آل دقلو المجرمة! )وفي ظروف مفصلية وفاصلة كتساقط المدن يثير مثل هذا القول الغيظ إن لم يثر الغضب والإشفاق!
– [ ] وعلي الأفاضل والفضليات من السياسيين والإعلاميين ومن لهم تواصل ما ،مع المسؤولين أن ينصحوهم بما يدور في أذهان الناس من ضرورات الشفافية وإشراك الناس في الهم العام ليشاركوا في معركة تتعلق بمصائرهم ومصائر أبنائهم بل وبقاء السودان كله ، مهد الحضارات شامخا عصيا علي الانكسار.
وليتداول الناس فكرة أراها ذروة سنام هذه التدابير المقترحة وهي إعلان حالة الطوارئ في كافة أنحاء القطر وأن يفضي تقليص المؤسسات لجعل الوفورات و كافة الموارد في خدمة الضرورات المعينة علي الدفاع الفعال عن حمي الوطن وحماية المواطنين . ذلك حق مشروع بكل الأعراف الدولية والنظر إليه علي أنه محبة في استمرار الحرب مراوغة مكشوفة للانقضاض علي الوطن وتجريده من حقه الأصيل في الحياة بالدفاع عن نفسه و ما من بشر سوي يحب الحرب والدمار لكن من لم يزد عن حوضه بسلاحه يهدم.
بالإضافة إلي تلك التدابير أري وقف التعدين الأهلي وقصره علي الدولة لتسيير أعمالها وللنهوض بأعباء الحفاظ علي بيضة الدولة وحفظ الأرض والعرض وفق نص الدستور . والله من وراء القصد وبه التوفيق والله أكبر والعزة للسودان.

Exit mobile version