أحمد جبارة – أفريقيا برس
حذر خبير العلاقات الدولية والكاتب الصحفي ضرغام ابوزيد الحكومة السودانية من الإدارة الأمريكية، مؤكدا بأن السلام في السودان ليس من أولوياتها، وأن الدمار والخراب الذي خلفته المليشيات لا يوجعها.
ويرى ضرغام في حوار مع “أفريقيا برس” أن “الولايات المتحدة تريد إعادة المليشيات للسلطة مجددا عبر مفاوضات جنيف”، كما قال إن “أمريكا تريد إنقاذ الدعم السريع من هلاك بات وشيكا”
كيف ترى خطوة إرسال الحكومة السودانية وفدا لمقابلة الوفد الأمريكي في جدة؟
أميركا وبايدن وكاميلا هاريس وبلينكن وحزبهم الديمقراطي العتيد يبحثون عن طوق نجاة ينقذهم من الوحش الجمهوري الضاري دونالد ترمب عبر اختراق أو إنجاز مدوي ويصم الآذان فيما خلف البحار ليتم إقناع الناخب الأميركي بأنهم حققوا إنجازا وسلاما في مكان ما من المعمورة. وكان الاختيار البائس قد وقع على السودان الوطن بعد أن فشلوا في تحقيقه في غزة المناضلة بعد أن خاضوا في دماء شعبنا هناك حتى الركب. أميركا لا تهتم بتحقيق السلام في السودان، ولا تهتم أن يعيش شعبنا في رغد من العيش، ولا يوجعها الدمار الذي خلفته المليشيات في البنية الأساسية للوطن، ولا يؤلمها قتلانا وهم شهداء عند ربهم يرزقون، ما تهتم به فقط إنقاذ المليشيات من هلاك بات وشيكا، ومن انتحار محتوم لدويلة الشر بقارعات مزابل التاريخ الذي لا يرحم، وبذات الطريقة التي انتحر بها هتلر وبذات النمط الذي تجرعت بها زوجته إيفا براون السم الزعاف في ابريل 1945 ايذانا بانكسار الفاشية الى الابد.
أميركا وبعد أكملت نصب اعظم شراك لها في هذا القرن لتجندل فيه وبالطعم البراق الذي يعلوه تجندل فيه وبه جيشنا في ذكرى تأسيسه وقد تجاوز سبعة عقود من الزمن، ثم هو الأعرق أفريقيا، والأصلب كونيا، فحاولت بدءا بالترهيب والتخويف وعندما لم تجد ابدانا ترتجف، ومفاصل ترتعد، وبعد أن رفع البرهان عاليا كرت جدة الأحمر في وجه بلينكن، لم يجد من مهرب غير الإقرار بأن جدة هي بالفعل المرجعية، هذا جميل. وإذا كان الامر كذلك، فما جدوى جنيف إذن، هنا ارتج على الادارة الاميركية فايقنت بانها قد ابتلعت الطعم العلقمي البرهاني، إذ عليها الآن وقبل الذهاب لجنيف تطبيق نصوص إتفاقية جدة كاملة. هنا تكمن الكارثة فخروج الدعم السريع “الجنجويد” من بيوت المواطنين والأعيان المدنية يعني أنهم دخلوها بخلاف ما يمكرون وينكرون، وعليهم بالطبع هم والدويلة دفع تعويضات دمارهم لها وتشريد أهلها وهي دولارية مليارية. وخروجهم منها وحشرهم في معسكرات محددة بعد نزع سلاحهم او لنقل نزع أظافرهم المسمومة، هذا يعني أن الحرب قد انتهت عملياً وميدانيا، فما معنى جنيف في هكذا حال.
وما يتبقى بعد ذلك حرب أخرى تخوضها العدالة السودانية ممثلة في وزارة العدل والنيابة العامة ضد (قحط، تقدم) وضد الدويلة ومن شايعها وآزرها وستضطر لدفع دماء شرايينها جبرا لأكبر وأخطر مغامراتها الكونية على الاطلاق. بعدها نسأل ماذا تبقى من جنيف، وماذا تبقى لبلينكن لنتفاوض حوله وعليه بعد أن أجهزت جدة على الجنجويد وعلى الكفيل معا وبضربة مهند واحد. نحسب أن البرهان وحكومته سيتمترسون خلف جبال جدة النارية بعد أن ورطوا بلينكن وإدارته على الإقرار بمرجعيتها وهي وفي الأصل تحت الرعاية الاميركية السعودية. بعدها فان المتوحش ترمب سيستغل هذا التخبط ويوجه من خلاله ضربة تحت الحزام للمسكينة كاميلا هاريس وبدون ذنب جنته إزاء هذا العبث البايدني.
الحكومة إشترطت تنفيذ اتفاق جدة وهو خروج الدعم السريع من منازل المواطنين والأعيان المدنية.. فهل يلتزم الدعم السريع باتفاق جدة؟
خروج الدعم السريع من منازل المواطنين يعني النهاية ويعني إنهيار المشروع الاستيطاني الرامي لاستبدال الشعب بعربان الشتات..
بحسب الاتحاد الافريقي فإنه سوف ينطلق في هذا الشهر مؤتمر الحوار السوداني السوداني والذي يضم كل القوى السياسية بما فيها تقدم.. هل هذا المؤتمر سيكون مخرجا للازمة السودانية؟
بمجرد أن تذكر بان مؤتمرا يقام في مكان ما يضم تقدم، علينا أن نوقن بأنه فاشل مقدما. فهذه التقدم هي نفسها الجنجويد، والجنجويد وبالإقرار الأميركي الأخير لا مكان لهم في سودان ما بعد الحرب.
ماذا يعني اعتراف أمريكا بأن البرهان رئيس مجلس سيادة كما جاء في تفاصيل الاتصال الهاتفي بين البرهان وبلينكن؟
لنقل أن هذا الإعتراف هو بمثابة تجرع السم، هذا الإعتراف لم ينزلق من فم بلينكن ولسانه لأن لوعة حب مباغت للبرهان داهمته، وبما أن الحب غلاب فوجد نفسه مضطرا ولا حيلة له إزاء حتمية البوح بتباريح هذا الهيام العاصف. لم يكن الأمر كذلك، فبلينكن يكره البرهان حتى الثمالة، ويراه العقبة الكؤود التي حالت دون تحقيق الأمنيات الصهيونية القديمة القائلة بإنزال خريطة تقسيم السودان والمعدة صهيونيا واميركيا منذ عقود خلت. إذن لوعة الحب الجديدة والتنازلات الاميركية المهينة لإدارة العجوز بايدن والمقدمة على طبق من ذهب للبرهان حدثت لأن ثمة تغييرا دارماتيكيا حدث على الساحة السودانية وهو الذي أعلنه الفريق ياسر العطا بان هناك تحالفا مخيفا يضم دولا عظمى وشبه عظمى في طريقه للتشكل لفائدة الدولة السودانية، وأن هذا التحالف معادي للغرب عموما، وانه سيجتث الدويلة الضالعة في قتل شعبنا ومن ورائها ومن ولاها، وبالطبع قطع دابر الدويلة يعني بتر كل الأيادي الاثمة والأقدام الفاجرة عبثا وتدنيسا لتربة هذا الوطن العظيم شعبا وخلقا وأدبا وكرما وحصافة.
وإن خروج أميركا بناء على تلك المعطيات هي واذنابها وكلابها المسعورة من الساحة السودانية باتت مسألة وقت. وبما أن البرهان قد تجرع مؤخرا قدرا كافيا من مشروب الطاقة المنعش أهداه له حلفاؤه الجدد وبقدر أمسى معه قادرا على رد الصفعة بالصفعة واللكمة بمثلها، إيذانا بانتهاء عصر إدارة الخد الأيسر. الادارة الاميركية ايقنت ذلك بعد رفض البرهان إستقبال مبعوثهم بمطار بورتسودان بناء لأوامرهم له، فكان إن عاد أدراجه وهو يجرجر أثواب الخيبة والندامة. وبما أن المشهد كما أوضحنا فإن مسألة عدم اعتراف أميركا بالبرهان رئيسا لم تعد ذات أهمية، فموسكو ووفدها الزائر مؤخرا أكدوا على أنه الرئيس الشرعي وأن الامم المتحدة التي خاطبها مرات عديدة تراه كذلك.
هنا وجدت أمريكا نفسها مرغمة على الإعتراف به، على الأقل ربما يدفعه الزهو بهذا الاعتراف للذهاب لجنيف كما تتمنى، غير أنها لا تعلم أن الإعتراف به اميركيا ليس له اي قيمة تذكر، وعطفا على حقيقة أن السلاح الذي تحمله المليشيات المتمردة الآن أميركي الصنع، وأنه كان لدى الدويلة ومنها إلى السودان، وبما أنها تعلم أي أميركا أن شعبنا يقتل بسلاحها فهي بالتالي وبالمنطق عدو للوطن وللشعب.
حالة من النشوة والفرحة تسيطر على السودانيين في مواقع التواصل الاجتماعي مع قرب إتفاق جنيف، فهل يتحقق السلام وتتحقق رغبة السودانيين؟
الحرب وبإجماع الشعب الممثل في المستنفرين والمواطنين كبارهم وصغارهم، نسائهم ورجالهم، شيبهم وشبابهم، وقد اصطفوا خلف قواتهم المسلحة وبقدر أمسى معه الشعب هو الجيش والعكس صحيح. لقد اجمعت الكتلة البشرية المتماسكة والمشار إليها إعلاء بأن لا مكان للمليشيات في أي بقعة من بقاع الوطن الحبيب. وبالتالي فإن ما ينقص السودانيين هو انقراض الجنجنويد بمرتزقتهم من عربان الشتات، وهذا ما يتم إنجازه الآن عملياً وميدانيا.