رأي

قمة الدوحة العربية والإسلامية وإحياء الأمل بتشكيل تحالف إسلامي عريض وفاعل

مأمون عثمان

مثل انعقاد قمة الدوحة العربية والإسلامية في 15 من الشهر الجاري، كأسرع قمة تنظم من حيث الوقت ، وباستجابة عربية وإسلامية هو الأضخم ، في أعقاب الاعتداء الإسرائيلي على الدوحة في التاسع من سبتمبر الحالي، مثل لحظة تاريخية فارقة ، بالنظر للتعقيدات والظروف التي تمر بها المنطقة والعالم أجمع، حيث تتقاطع الأزمات السياسية مع التهديدات الأمنية وتتعاظم الضغوط على الشعوب والدول في آن واحد، ففي الوقت الذي شكلت فيه الحملة الإعلامية والسياسية الإسرائيلية ضد دولة قطر محطة تكشف من جديد حجم الاستهداف الممنهج الذي يطال ليس فقط دولة بعينها، بل كامل النسيج العربي والإسلامي، في محاولات إسرائيلية مفضوحة للنيل من استقلال القرار وحرية المواقف وكرامة الشعوب ، عبر سيطرة مزعومة على المنطقة ، لقد أثبتت قمة الدوحة العربية والإسلامية، أن الدعوة لإحياء التضامن العربي والإسلامي لم تعد ترفا سياسيا ولا أمنيات تاريخية، بل ضرورة وجودية لحماية الأوطان وصون مستقبل الشعوبية العربية والإسلامية، بل كافة الشعوب المحبة للسلام والحرية والانعتاق والكرامة.

لقد بين حجم المشاركة في القمة والاستجابة للدعوة القطرية العاجلة، المكانة المرموقة التي تتمتع بها دولة قطر والقيادة القطرية في وجدان وعقول الأمتين العربية والإسلامية، فقد شارك قادة دول منظمة التعاون الإسلامي ل 57 دولة، كما شاركت كافة الدول الأعضاء بالجامعة العربية البالغ عددها 22 دولة، وجميعها أعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي، وهو ما يعكس التضامن الوثيق بين شعوب ودول هذه الأمة.

والشاهد أن الوقائع، قد بنت أن الهجمة الإسرائيلية الأخيرة ضد قطر، أنها لم تكن سوى انعكاس لمواقف قطر الثابتة في الدفاع عن قضايا الأمة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، فمثلما واجهت الدوحة الضغوط بصلابة وصمود، فإنها أرسلت رسالة إلى العواصم العربية والإسلامية مفادها أن معركة السيادة ليست خيارا فرديا، بل مسؤولية جماعية، تستدعي تماسكا وتضامنا موحدا يتجاوز الحسابات القطرية والإقليمية الضيقة.

ويرى قادة من دول العالم الإسلامي ومنهم رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم، قد دعا في كلمته خلال القمة، لضرورة قطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع إسرائيل، التي توسع اعتداءاتها في المنطقة بعد هذا الهجوم على الدوحة، وقد شنت من قبل عدوانا على إيران، وترتكب منذ نحو عامين إبادة جماعية متواصلة بقطاع غزة وعدوانا بالضفة الغربية المحتلة، وتنفذ غارات جوية على لبنان وسوريا واليمن ، وقد جاء الهجوم على قطر رغم قيامها بدور الوساطة، إلى جانب مصر وبمشاركة أمريكية، في مفاوضات غير مباشرة بين “حماس” وإسرائيل، للتوصل إلى اتفاق لتبادل أسرى ووقف إطلاق النار ، وأضاف أنور إبراهيم :”الإدانات لن توقف الصواريخ ، التصريحات لن تحرر فلسطين، يمكن اتخاذ إجراءات عقابية صارمة ،يجب قطع العلاقات الدبلوماسية، وكذلك العلاقات التجارية” .

وفي ذات الإطار، فإن التحديات الأمنية التي تحيط بدول المنطقة، لم تعد تقف عند حدود النزاعات التقليدية، بل باتت تشمل الإرهاب العابر للحدود، التدخلات الخارجية، حروب المعلومات، والأزمات الاقتصادية والأمن الغذائي، وهذه التحديات لا يمكن مواجهتها بقدرات منفردة، ولا من خلال تحالفات مع قوى خارجية تبحث عن مصالحها فقط، قد تجعل مصالح الأمة رهينة لمعادلات دولية معقدة.

لقد أثبتت قمة الدوحة العربية والإسلامية الطارئة، أن الدعوة لإحياء التضامن العربي والإسلامي لم تعد ترفا سياسيا ولا أمنيات تاريخية، بل ضرورة وجودية لحماية الأوطان وصون مستقبل الشعوبية العربية والإسلامية، بل والشعوب المحبة للسلام والحرية والكرامة.

فمن وحي قمة الدوحة المشهودة، تبرز الحاجة إلى بلورة تحالف إسلامي واسع، يتجاوز الصيغ التقليدية للاجتماعات والبيانات، لدائرة الفعل عبر إطار عملي محكم التنسيق والتكامل في المجالات السياسية والأمنية والدفاعية والاقتصادية، والاجتماعية، والفكرية، والثقافية الموحدة لتطلعات ووجدان الأمة.

ويرى العديد من الخبراء، أن التحالف العربي والإسلامي العريض أمامه جملة من المرتكزات الأساسية التي ينطلق منها وأهمها ، الأمن الجماعي ، عبر صياغة ميثاق أمني مشترك يحدد آليات التعاون في مواجهة التهديدات الإرهابية والهجمات السيبرانية ومحاولات زعزعة الاستقرار الداخلي ، بالإضافة للتكامل الدفاعي العسكري والأمني المشترك بتنسيق دائم ، وتبادل كامل للمعلومات والخبرات بما يحقق جاهزية عالية للتصدي لأي تهديدات ، كما أن واحدة من المرتكزات الأساسية التي تضع التحالف العربي والإسلامي على جادة الطريق ، التضامن الاقتصادي ، والذي يتمثل في ربط الأمن بالاقتصاد عبر مشاريع مشتركة في مجالات الطاقة، الأمن الغذائي، والتكنولوجيا، مما يعزز قدرة الدول الأعضاء على الصمود أمام الضغوط ، مثلما أن واحدة من الممسكات القوية للأمة ، ما يوصف بالقوة الناعمة ، التي تتمثل في الاستثمار الإعلامي والثقافي والدبلوماسي في تعزيز صورة الأمة الإسلامية الموحدة، ومواجهة الحملات الدعائية التي تستهدفها ، ومن القضايا المحورية الموحدة لوجدان الأمة العربية والإسلامية كذلك ، القضية الفلسطينية ، فيجب أن تكون فلسطين هي محور وبوصلة هذا التحالف، باعتبارها القضية الجامعة التي تشكل معيار المصداقية لأي مشروع تضامني إسلامي.

وبحسب المهتمين والمختصين بواقع الأمتين العربية والإسلامية، فإنه قد آن الأوان أن تنتقل القمم العربية والإسلامية من خانة الأقوال إلى مرحلة الأفعال، فالتاريخ لا يرحم المتردد، والتحديات لا تنتظر، والتحالف الإسلامي الواسع الذي تتزايد الدعوات لإقامته ليس مشروعا مثاليا بعيد المنال، بل أضحى ضرورة تفرضها حقائق الأمن والجغرافيا والسياسة والاقتصاد والمصير المشترك، فقد أرسلت قمة الدوحة رسالة واضحة ، مفادها أن وحدة الصف هي خط الدفاع الأول، وأن التضامن العربي والإسلامي هو السبيل لبناء مستقبل آمن ومستقر للأمة، يواجه العواصف بثبات، ويبرهن أن القرار الجماعي المستقل قوة لا يمكن كسرها.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى