قراءة فيما بعد الاعتراف الاسرائيلي بصومالي لاند كدولة مستقلة

د. محمد تورشين
الاعتراف الاسرائيلي بإقليم صومالي لاند كدولة مستقلة لم تكن خطوة مفاجئة أو خارج السياق بحيث أنه إسرائيل لديها مصالح وتواجد في القرن الافريقي الذي يمتلك إطلالة وواسعة على خليج عدن وكذلك باب المندب ، كما أن ردود الفعل السريعة التي صدرت عن الدول صاحبت المصالح الجيوسياسي في الصومال على رأسها تركيا ومصر وجيبوتي ، جاءت متوقعة وطبيعيى في ظل حساسية المشهد الإقليمي في القرن الافريقي الكبير مما يدفعها نحو الانخراط في تحالف لمواجهة التحولات التي ستقع عقب الخطوة الإسرائيلية.
منذ أن أعلنت صومالي لاند انفصالها من طرف واحد عن الصومال عام 1991 عقب سقوط نظام الرئيس محمد سياد بري ، وسقوط البلاد في أتون حرب أهلية مفتوحة ، استندت النخب السياسية في هرجيسا إلى المبررات التاريخية بأن ارض الصومال (الصومال البريطاني) دولة مستقلة ودخلت في وحدة اندماجية مع الصومال الام (الصومال الإيطالي) ، هذه التباينات الاستعمارية شكلت الأرضية الفكرية والسياسية التى انطلقت منها التيارات الانفصالية في صومالي لاند.
رغم إعلان الانفصال لم تحظ ارض الصومال باي اعتراف رسمي من القوى الإقليمية أو الدولية ، على الرغم من توقيع بعض الاتفاقيات الاقتصادية مع كل من تايوان والإمارات العربية المتحدة في 2017 ، لبناء و تشغيل ميناء بربرة واستخدامه لفترة (30عام) بالإضافة إلى الاستثمارات في قطاع التعدين ، كما إعادت الامارات تأهيل مطار هرجيسا . وكذلك الاتفاق مع اثيوبيا في 2024 ، يعتبر من أهم الاتفاقية حيث منحت أديس أبابا حق الاستفادة من ميناء بربرة ، يمكن القول بأن الاتفاقيات لم تكن اقتصادية بحتة ، بل حملت في طياتها بعدا سياسيا سعت من خلاله صومالي لاند إلى كسب شرعية دولية غير مباشرة واعتراف ضمني .
اثيوبيا بحكم موقعها ونفوذها الجيوسياسي وتعقيداتها الداخلية ظلت حذرة في مسألة الاعتراف الرسمي ، فهي دولة تعاني صراعات داخلية في كل من إقليمي الامهرا والتقراي وبعض النزعات الانفصالية ، ما يجعل اي خطوة من هذا النوع سابقة قد تنعكس عليها داخلياً ، رغم المكاسب الاقتصادية التي حققتها أديس أبابا من الاتفاقية فإنها إعادت في الوقت ذاته قضية صومالي لاند إلى الواجهة .
وسعت ارض الصومال إلى توسيع دائرة علاقاتها الخارجية ، كما ظهر من خلال الانفتاح على تايوان والاعتراف بها كدولة مستقلة ، في محاولة واضحة للبحث عن الاعتراف الدولي. الا ان الاعتراف الإسرائيلي يعد تطورا نوعيا ، كونه صادرا عن دولة ذات وزن وتأثير مباشر في السياسة الدولية ، هذا الاعتراف ستكون له بلاشك تداعيات متعددة . فمن جهة قد يرفع الحرج عن اثيوبيا ويفتح أمامها المجال للاعتراف بأرض الصومال كدولة مستقلة ومن جهة أخرى يمهد الطريق لوجود عسكري أمني اسرائيلي في الإقليم ، ما يمنح تل أبيب نفوذا أوسع في بحر العرب وخليج عدن ويعزز قدرتها على مراقبة وتأمين باب المندب ، ومحاصرة النفوذ الايراني عبر جماعة الحوثي في اليمن .
لكن في المقابل ، قد يدفع هذا التطور ايران إلى توطيد علاقاتها مع الصومال ، كمحاولة لكسر الطوق المفروض عليها في البحر الأحمر واليمن ، وفي حال فشلت المساعي الدبلوماسية التي تبذلها الحكومة الصومالية لاحتواء آثار الاعتراف ، فمن المرجح أن تتجه مقديشو إلى تعميق تحالفاتها القائمة مع كل من تركيا ومصر ، وربما أطراف أخرى ، استناداً إلى الاتفاقيات العسكرية والأمنية التي ساهمت إلى حد ما في إعادة بناء الجيش الصومالي والأجهزة الأمنية ، وإن كانت هذه الخطوات تسير بوتيرة بطيئة ، ولا يتوقع أن تلعب مصر أو تركيا دورا محوريا في دفع الصومال نحو مواجهة عسكرية مع إقليم ارض الصومال ، بل ستركز جهودها على تصعيد الضغط الدبلوماسي وتقديم الدعم السياسي في المحافل الدولية. ومع ذلك يبقى احتمال لجوء الحكومة في مقديشو إلى الحياة العسكري قائماً خاصة في ظل ضعف السلطة المركزية وغياب جيش وطني قوي قادر على احتواء المنوعات الانفصالية ليس فقط في صومالي لاند ، بل في أقاليم أخرى قد تسلك المسار ذاته .
قد ترى إيران فرصة سانحة لتعزيز نفوذها غير المباشر سواء عبر دعم أطراف محلية ، أو من خلال تقاطعات مصالح جماعات مسلحة .كما أن أي وجود إسرائيلي في صومالي لاند قد يدفع حركة الشباب المجاهدين إلى تصعيد عملياتها وزيادة التنسيق الأمني والعسكري ، وربما الحصول على مزيد من الأسلحة والدعم اللوجستي من الحوثيين ، ما قد يؤدي إلى استئناف نشاطها بشكل أكثر عنفا واستهداف العمق الاستراتيجي في هرجيسا وبربرة ، مما يشكل تحديا خطيرا لأمن واستقرار الصومال وبالتالي سينعكس ذلك على الأمن الإقليمي في القرن الأفريقي.
الاعتراف الإسرائيلي بأرض الصومال كدولة مستقلة يمثل تحولا استراتيجيا قد يفتح القرن الأفريقي على مرحلة جديدة من التوترات والتعقيدات والتحديات الأمنية ، فهذا الاعتراف لا يحظى بقبول العديد من الفاعلين الإقليميين لانه سعيد رسم التوازنات و خريطة النفوذ في القرن الأفريقي ويحوله الى ساحة مفتوحة للتنافس الإقليمي في ظل عزوف القوى الكبرى عن الانخراط المباشر كما عكسته التصريحات الأمريكية الرافضة لمسألة الاعتراف الاسرائيلي ، وعليه فإننا أمام تطورات حقيقية قد تهدد مصالح قوى إقليمية فاعلة مثل مصر وتركيا فضلا عن تأثيرها على الاستثمارات والحضور الاقتصادي في القرن الإفريقي ما يجعل المرحلة المقبلة بالغة التعقيد والحساسية.



