فيما أرى: القتل العشوائي المستمر.. لماذا؟ (2-3)

عادل الباز

“هناك حرب لابد من خوضها في هذه البلاد، ضد هؤلاء الذين تجرأوا كثيراً”.

أهزوجة أمريكية

 

بدأت مقالي السابق بسؤال لماذا تفعل تلك المليشيا ما تفعل من قتل عشوائي؟. قتل كل الناس لماذا.. ماهو الهدف الخفي؟. ناقشت أكثر من  احتمال ورجحت الاحتمال الأخير وهو أنها تسعى لتهيئة المناخ  لاندلاع حرب أهلية تفتت الدولة السودانية نهائياً.. وقلت أنا أرجح هذا الاحتمال ولكن كيف يجعلونه واقعاً ولماذا؟.

كيف يمكن يهيئوا المناخ لاندلاع حرب أهلية؟.. بالقتل.. نعم بالقتل العشوائي المستمر وهو مايفعلونه الآن. القتل العشوائي الهدف الوحيد الذي يمكن أن يحققه هو تصعيد الغبائن والغضب ضد المليشيا ومكوناتها وحواضنها الاجتماعية. خذ مثلاً ما يجري في الجزيرة.. الهدف منه هو تفجير المنطقة من الداخل وذلك بإغراء سكان الكنابي بالالتحاق بالمليشيا وبالفعل التحق كثيرون منهم بالمليشيات وشكلها ملاذاً آمناً لها وأصبحت بيوتهم مخازن للمنهوبات التي تنهبها عصابات المليشيا من الأهالي. هذا من شأنه أن يقود إلى حرب أهلية بين سكان منطقة الجزيرة وسكان الكنابي بعد تعايش سلمي لعشرات السنين.

2

كانت قيادات المليشيا حريصة بعد اندلاع الحرب على دعوة قبائل معينة لمناصرتها ودعمها وظلت تجند منها وتطلق نداءات الفزع لها وحدها فتدفق مقاتلون كثر من إقليم محاضنها المعلومة لتحارب في العاصمة والجزيرة وكردفان كما تحارب معها قبائل محددة في كل غرب السودان. القصد من هذا التجنيد القبلي والجهوي هو تغيير طبيعة الحرب التي تخوضها قوات متمردة ضد الدولة إلى حرب قبائلية وعشائرية وذلك مقدمة لحرب أهلية.

كانت قوات الدعم السريع تجند من كافة أرجاء السودان باعتبارها أنها قوات قومية تحت مؤسسة الجيش القومي فلابد أن تكتسب تلك الطبيعة القومية، ولكن بعد الحرب تخلت عن ثوبها القومي ولجأت إلى القبائل وأصبح قادتها يلجأون ويرشون نظار وزعماء القبائل للتجنيد من بين صفوفهم وللأسف انقاد كثير من زعماء القبائل في غرب السودان لدعوات المتمردين وحشدوا أبنائهم لخوض حرب لا تخصهم.

هذه النقلة في طبيعة الحرب الغرض منها تحويل الحرب إلى حرب أهلية تخوضها القبائل ضد بعضها. والآن مثلاً بدأ يتنامى شعور في الشمال بأن الذين يمارسون هذا القتل العشوائي هي قبائل محددة من غرب السودان جئ بها لقتل أهل الشمال وهذه بالطبع ليست حقيقة فليس لكل القبائل ذنب في جرائم المليشيا ولكن هذه هي الصورة التي تحاول المليشيا نفسها تركيزها في الأذهان بهدف تغيير طبيعة الحرب وإثارة القبائل ضد بعضها. وبالفعل بدأ تحشيد قبلي مضاد في الشمال وظهرت كيانات قبلية مضادة تسعى لتسليح نفسها وخاصة أن المليشيا لم توفر قبيلة لم تُعمل في ديارها المليشيا قتلاً وتشريداً.

استراتيجية القتل العشوائي المستمر إضافة إلى القتل الممنهج واستهداف كثير من المناطق والقرى الآمنة التي تسكنها قبائل محددة في الشمال، أدت لتصعيد نغمة الغضب في الشمال ضد قبائل بعنيها في الغرب، وهذه الاستراتيجية الشيطانية الهدف منها تسريع وتيرة الأحداث وصولاً لحرب أهلية كاملة السم.

هذه الاستراتيجية نجحت إلى حد ما في غرب السودان، فاصطفاف قبائل ضد المليشيا المجرمة مثل المساليت بعد ماجرى لهم من إبادة في بداية الحرب والزغاوة الآن بما شهدت ديارهم قتل واسع النطاق في الفاشر وحولها، وكذلك أقسام من المسيرية الذين يدافعون الآن عن بابنوسة، والنوبة الذين تعرضوا لهجمات غادرة من المليشيا في مناطق متعددة بالجبال التي يقطنها النوبة ودارت معارك حول الدلنج والدبيبات وغيرها، هذه القبائل اصطفت ضد مكونات المليشيا الأساسية وهي الآن تقاتلهم مع الجيش.

تسعى تلك الاستراتيجية التي لم يكتب لها النجاح الكامل حتى الآن أيضاً إلى تحويل طبيعة الحرب فى غرب السودان من حرب عصابات متمردة ضد الدولة إلى حرب أهلية تحتشد فيها  القبائل، أضف إلى ذلك إثارة الفتن والاقتتال بين القبائل مثل ماحدث بين السلامات والبني هلبة. وكل ذلك يهدف إلى إدخال البلاد في دوامة الحرب الأهلية التي جرى التخطيط لها بعد أن فشل المخطط الرئيس بالاستيلاء على الدولة بالانقلاب ثم بالحرب. لكن لماذا اختارت المليشيا طريق الحرب الأهلية؟ نواصل.

Exit mobile version