تقرير – رحاب عبدالله
أوضاع اقتصادية قاسية يعيشها المواطنون السودانيون بسبب ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية في كل ولايات السودان بصورة غير مسبوقة، حيث سجلت الأسعار أرقام قياسية مع اختفاء معظم السلع في كثير من الأسواق، الأمر الذي جعل الكثيرين يعيشون أوضاعاً كارثية.
ارتفاع بعض السلع 500%
وارتفعت أسعار بعض السلع الضرورية إلى أكثر من 500% بسبب ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني بالإضافة إلى زيادة أسعار الوقود، ووصل سعر لتر البنزين في ولاية نهر النيل نحو 3086 جنيها.
إحجام عن البيع
ودفع ارتفاع سعر الدولار إلى 2700 جنيه وكلاء الشركات الكبرى وبعض التجار إلى إغلاق محالهم التجارية، والإحجام عن البيع، خوفاً من تعرضهم لخسائر مالية، بينما اضطر آخرون إلى رفع أسعار سلعهم بشكل مباشر في محاولة للحفاظ على توازن معدلات الربح في ظل تراجع قيمة العملة.
في وقت اشتكى مواطنون ونازحون من ولاية الخرطوم من تدهور أوضاعهم المعيشية وصعوبة توفير احتياجاتهم اليومية والاستغناء عن سلع تعد شبه ضرورية من بينها اللحوم.
ووصل سعر جوال السكر زنة 50 كيلوجرام بولاية الخرطوم إلى 170 ألف جنيه، يباع الكيلو ب4 الاف جنيه، بينما بلغ سعر ذات الجوال بولاية نهر النيل محلية شندي 135 ألف جنيه مع وجود ندرة في دقيق المخابز حيث ارتفع سعر جوال الدقيق بالخرطوم إلى حوالي 70 ألف جنيه زنه 25 كيلو مع اختفاء سلعتي العدس والأرز حيث وصل فيها جوال العدس زنة 20 كيلو إلى 75 ألف جنيه والأرز إلى 50 ألف جنيه.
ورصدت (الأحداث) ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية بأسواق شندي ارتفاعاً كبيراً، وأوضح التجار أن ارتفاع أسعار السكر وزيوت الطعام ولبن (البودرة) والبُن والدقيق بسبب ارتفاع تكلفة الترحيل نتيجة لزيادة أسعار الوقود فضلاً عن ارتفاع سعر الدولار بالإضافة إلى الرسوم والضرائب، وبلغ سعر جوال السكر زنة 50 كيلو 135 ألف جنيه، فيما بلغ كيلو السكر 2500 جنيها، كيلو لبن البدرة من 9 – 10 آلاف إلى 12 الف، رطل البن من 7 آلاف الى 8 – 10 آلاف.
وارتفع سعر الخبز عقب زيادة سعر الدقيق، وشرعت المخابز في بيع 8 قطع بألف جنيه بدلاً عن 10 ألف جنيه.
ارتفاع دراماتيكي
وأكد الخبير الاقتصادي عميد كلية الاقتصاد بجامعة السودان بروفيسور عبدالعظيم المهل في حديثه ل(الأحداث) أن أسعار السلع والخدمات في الفترة الأخيرة ارتفعت بصورة دراماتيكية-على حد قوله- لكنه عاد وقال “حقيقة ليس هناك ارتفاع في الأسعار ولكن الجنيه السوداني كل يوم يتآكل وفقد قيمته فبعد أن كان حوالي 570 جنيه لكل دولار صار الآن 2700 جنيه لكل دولار” ما عده يعني انهياراً كاملاً يتطلب استقالة كل الطاقم الاقتصادي، ويرى المهل أن الغلاء لم يصل إلى الأسواق حتى الآن، وتوقع وصوله في غضون الأيام المقبل وحينها ترتفع الأسعار بصورة أكبر من ذلك بكثير.
تراخي حكومي
والشاهد أن هنالك سبب رئيس ساهم في تفاقم زيادة الأسعار وهو التراخي الحكومي في ضبط الأسواق ومراقبة الأسعار.
ففيما يتعلق بالمخابز وقف مدير تنفيذي شندي على الأمر وهدد باتخاذ إجراءات قانونية ضد المخابز التي تتلاعب في أوزان الخبز وتزيد الأسعار، وسط صمت حكومي من بقية محليات نهر النيل والولايات الأخرى ماعدا ولاية كسلا.
محاربة تجار الأزمات
وتعتبر محاربة تجار الأزمات أحد أبرز التحديات التي تواجه الحكومة، من خلال فرض الرقابة الصارمة على الأسعار ومكافحة الممارسات الاقتصادية غير الأخلاقية.
وأكد الخبير الاقتصادي د.محمد الناير أن الزيادة في أسعار السلع في السودان فاقت احتمال المستهلك بصورة كبيرة، مشدداً على أنها فاقت تحمل طاقته.
وقال الناير في حديثه ل(الأحداث) بأنه معلوم في ظروف الحرب حدوث تراجع في قيمة الجنيه السوداني، غير أنه أشار إلى أن الوضع غير الطبيعي أن الدولة لم تتحرك كما يجب في إيقاف هذا التراجع والتدهور في الجنيه السوداني ما عدّه ألقى عبء كبير جداً على المواطن السوداني، مشيراً إلى أن من أهم الأسباب الأساسية لزيادة أسعار السلع هو تراجع قيمة الجنيه السوداني إلا أن هنالك سبب آخر لزيادة أسعار السلع والخدمات هو زيادة أسعار المحروقات، لافتاً إلى أن قيمة المحروقات في السودان الآن هي الأعلى على مستوى العالم، وأضاف أنه لا توجد دولة في العالم تبيع سعر المحروقات كما في السودان.
شركات تتحكم في مصير الشعب السوداني
وانتقد الناير دور الدولة في حماية المواطن، وقال “في ظل الحرب ما الذي يمنع الدولة أن تتولى مسؤولية استيراد المحروقات عبر المؤسسة السودانية للنفط كما كان الوضع في السابق وتقوم بتوزيع المحروقات للمستهلك بأسعار معقولة، لافتاً لإمكانية بيعها بسعر أقل بنسبة 25-30%، وانتقد ترك الدولة مسؤولية المحروقات لعدد من الشركات تتحكم في مصير الشعب السوداني، وبرر حديثه هذا لجهة تأثير أسعار المحروقات على مجمل الأوضاع الاقتصادية فهي الآن أثرت على أسعار تذاكر النقل بين الولايات وكل القطاعات الإنتاجية وأثرت على تكاليف نقل السلع من بورتسودان إلى مواقع الاستهلاك أو من مصر إلى السودان وبالتالي تؤدي لزيادة كبيرة، وقال إنه كان من الممكن أن تقوم الدولة بإجراءات تخفف الوطأة على المواطن، وأكد وجود بطء كبير جداً في السياسات الاقتصادية المالية أو النقدية.
مقترحات للسيطرة على الدولار
من ناحيته قال الخبير الاقتصادي بروفيسور عمر محجوب الحسين إن ارتفاع أسعار السلع وندرتها مرتبط بإفرازات الحرب وتدهور سعر صرف الجنيه بصورة كبيرة وسريعة.
وأكد في حديثه ل(الأحداث) إمكانية الحكومة إجراء محاولة للسيطرة على تدهور قيمة الجنيه الذى يعتبر عامل مهم في ارتفاع الأسعار، حيث يتم تسعير جميع السلع والمنتجات بسعر الدولار في السوق السوداء، مضيفاً أنه تتم السيطرة على سعر صرف الجنيه من خلال توفير العملات الأجنبية بالتعاون مع الشركاء الإقليميين، واتباع سياسة نقدية مرحلية للتحكم بمعدل الربح الذي يُدفع للاقتراض قصير المدى (الاقتراض بين البنوك لتحقيق حاجاتها قصيرة المدى) أو حجم السيولة النقدية، وتكون هذه الإجراءات عادة للتقليل والسيطرة على التضخم، ولضمان استقرار الأسعار، وتحقيق الثقة العامّة في قيمة الجنيه، وهذه الإجراءات مرتبطة بالسياسة النقدية، أيضاً اتخاذ إجراءات رقابية على أسعار السلع، وتسهيل إجراءات الاستيراد من خلال البنوك وخفض الجمارك ومنع استيراد بعض السلع الكمالية، وأضاف “يمكن أن تقوم الحكومة بتأمين الطرق التجارية وحماية مخازن الحبوب في أماكن الإنتاج، ومنع الاحتكار”، ودعا الحكومة للتعامل بواقعية مع إمكانية حدوث مجاعة.
إفقار المواطنين
وانتقد رئيس تجمع أصحاب العمل السوداني معاوية أبايزيد زيادة أسعار الوقود بصورة كبيرة فاقت كل التوقعات، وقطع بأن هذه الزيادة ستؤدي لإفقار كافة المواطنين وإفلاس رجال الأعمال بل تدمير كل القطاع الاقتصادي.
وأكد أن الزيادة الكبيرة في الوقود ليست بسبب الدولار فقط إنما بسبب فرض الرسوم والجبايات.