أمجد فريد
منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وميليشيا “قوات الدعم السريع” في أبريل 2023، يشهد السودان كارثة إنسانية غير مسبوقة تُعد من بين الأسوأ عالميًا في العقود الأخيرة.ولا تقتصر مسببات وطأة هذه الكارثة على الدمار الذي تسببت فيه الحرب فحسب، بل تساهم فيها طبيعتها الشاملة واتساع رقعتها الجغرافية، إذ تمتد عبر مساحة شاسعة من السودان الذي تبلغ مساحته 1,861,484 كيلومتراً مربعاً، مما يجعله ثالث أكبر دولة في أفريقيا بعد الجزائر وجمهورية الكونغو الديمقراطية، ومن بين أكبر عشرين دولة في العالم من حيث المساحة.
ويساهم أيضا في زيادة حدة الأزمة، كثافة عدد سكان السودان الذين يبلغ تعدادهم حوالي 48.1 مليون نسمة، بات أكثر من نصفهم، حوالي 25.5 مليون نسمة، في حاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية جراء هذه الحرب، بالإضافة إلى 12.6 مليون نازح ولاجئ، اضطرتهم الحرب للنزوح بعيداً عن ديارهم ووطنهم. ورغم أن الصراع لم يتجاوز عامًا ونصف العام، فقد بلغت الكارثة الإنسانية مستوى غير مسبوق، متفوقًا على نزاعات مماثلة؛ ففي سوريا على سبيل المثال، وصل عدد النازحين في 2021 إلى 6.7 مليون شخص بعد عشر سنوات من الحرب، وبلغ المتضررون من انعدام الأمن الغذائي 12.1 مليونًا في 2023. أما في السودان، فيواجه نحو 26 مليون شخص خطر المجاعة، ما يمثل أكبر أزمة غذاء عالمية في نصف القرن الأخير. وقُدرت الوفيات بسبب الجوع بـ2.5 مليون شخص في أربعة أشهر (يونيو- أكتوبر 2024)، وهو ما يعادل ضعف ضحايا الجوع خلال حكم الخمير الحمر في كمبوديا على مدار أربع سنوات.
لا تقتصر أسباب تفاقم الكارثة الإنسانية واستطالة أمد الحرب في السودان على الطرفين المتحاربين فقط، بل تتداخل عوامل أخرى، أبرزها تقاعس المجتمع الدولي عن اتخاذ موقف جاد وموحد، والدور السلبي لبعض الأطراف السياسية المدنية.
وعلى مستوى المجتمع الدولي فقد بات واضحاً أن هناك قوى إقليمية، ودولا بعينها في المنطقة، تقدم دعماً غير مشروط لمليشيا “الدعم السريع”، رغم ارتكابها جرائم وانتهاكات جسيمة في أنحاء السودان، وآخرها تجريدة العنف الوحشية التي أشعلتها هذه الميليشيات في ولاية الجزيرة خلال الأسابيع الماضية. وتتمتع هذه القوى بنفوذ دولي وقدرة على التأثير على المشهد الدولي، بما يجعلها تسعى للعب دور الوسيط، بينما تواصل في الوقت ذاته دعم الميليشيا لمواصلة الحرب، وهو ما يساهم في تحويل جهود السلام الدولية والإقليمية إلى دائرة مفرغة لا تؤدي إلى أي تقدم ملموس.
ولا يقتصر ارتباط هذه القوى الإقليمية على تأجيج الحرب في السودان، بلإن هناكتقاريرعن العلاقة بين جهاز “الموساد” الإسرائيلي وميليشيا “الدعم السريع”. فقد ظهرت بعض التقارير في الأسابيع الأخيرة عن شحنات ضخمة من الأسلحة ومعدات الدفاع الجوي في طريقها من إسرائيل إلى “الدعم السريع” عبر شمال غرب أفريقيا.