خالد محمد أحمد
عطفًا على الحملة الإعلاميَّة الشرسة التي تُشَنُّ هذه الأيام للضغط على الجيش السوداني وإرغامه على قبول مقترح الهدنة الذي تقدَّمت به الرباعيَّة، يتجلَّى بوضوح استمرار بعض القنوات العربيَّة في نهجها المفضوح، إذْ تعمل على تلميع صورة الدعم السريع وقادته وتقديمهم بوصفهم أنصار سلامٍ وعقلانية، مقابل شيطنة الجيش وقياداته وتصويرهم على أنهم دعاة حرب.
هذا الأسلوب ليس وليد اللحظة، بل هو امتدادٌ لخطٍّ دعائي ثابت دأبت تلك القنوات على تغذيته منذ اندلاع الحرب في إطار ترسيخ السرديَّات (Narrative Feeding).
على سبيل المثال، توضِّح الصورة القديمة أدناه مظهرًا من مظاهر هذا التلاعب الإعلامي، إذْ يظهر حميدتي في الجهة اليمنى من الشاشة، والبرهان في الجهة اليسرى، وهو ترتيب تكرَّر في كثيرٍ من التغطيات العربية كما لاحظتُ من خلال متابعة دقيقة للأخبار. وهذه ليست مصادفة بريئة، فالدماغ العربي المبرمج على القراءة من اليمين إلى اليسار يبدأ تلقائيًّا بتركيز نظره نحو الجهة اليمنى، وهو ما يجعلها في وعي المشاهد موضع الأهميَّة والتقدُّم. وهكذا، تُرسَل رسالةٌ بصرية مضمرة مفادها أن حميدتي أهمّ من البرهان وأقرب إلى زمام المبادرة. في المقابل، نجد أن اللغات المكتوبة من اليسار إلى اليمين، كالإنجليزية، تعكس هذا المنطق البصري؛ وهو ما يوضِّحه هذا التقرير من صحيفة الغارديان البريطانية عن سرِّ حرص المذيعين البريطانيين على الجلوس يسار الشاشة في البرامج الحواريَّة التي يديرها أكثر من مذيع:
ولا يتوقَّف الانحياز عند حدود الترتيب البصري؛ فحتى الصور المختارة تكون غير متكافئة. في الصورة المرفقة، يُقدَّم حميدتي بملامح وادعة ونظرة بريئة، بينما يُظهَر البرهان بوجهٍ متجهِّم يوحي بالبطش والعدوان. أما في مستوى المضمون، فيتجلَّى الانحياز بوضوحٍ في انتقاء الاقتباسات والمقاطع، إذ يُقدَّم كلام حميدتي في سياق الساعي إلى إرساء السلام والحريص على تحقيق الديمقراطية والانتقال للحكم المدني، بينما تُنتقَى تصريحات البرهان لتُبرزه في صورة (المعتدي والراغب في استمرارها). وبذلك، تكتمل فصول المشهد الدعائي الذي يسعى إلى تقويض صورة الجيش السوداني وتلميع خصومه في سياق حملةٍ منظَّمة تستهدف الوعي الجمعي العربي وتغتال الحقيقة.

