هند معاذ
المكانُ هادئ، لدرجةٍ تُصيبُك بالشلل، حاولتُ جاهدة أن ألتقط صوتًا، حسيسًا، حفيفًا، أو حتى صوت تفجير أو قذائف، لكن لا شيء يُسمع، الهدوء طاغِ حد الاختناق.
عزيزي، أعتقد بأن أُذناي قد أعتادت ما يحدث، حتى باتت لا تستشعر الأصوات، حتى صوت قرقرة الأمعاء الخالية توقف.
الريح لا تمر، الجدران لا تتنفس، وعقارب الساعة توقفت عن الحراك، ربما هي أيضًا قد أصابها الجوع، أو اخترقتها رصاصة لتَسكُن وتُسكِن أعماقُها كقلبي.
كأن المدينة حبست أنفاسها منذ ألف عام، فغادرتها الطيور وغادرها السلام، فيخفق الخوف كأنه قلبها الضائع، تائهٌ في صدرها الصامت، لا يبحث عن مأوى بل عن نجاة فقط.
فقد الخراب صوته هو الآخر فبات لا يصرخ، فقط يحتضن أرجاء المكان، لا ليُدمر هذه المرة، بل ليحمي المدينة من الجوع، فقد ظن بأن رائحة البارود والموت بأشلاء الرصاص أهون من أن يُقطع الجوع الأحشاء، لكن الرصاص طغى وتركهم يموتون ببطء وصمت.
إنني أُحاول أن أنظر للمكان، فأجدني أنظر إلى الفراغ، إلى عِظام أُناس نهشهم الجوع نهشًا، وجلودُ أطفالٍ تركوا الحياة مبتسمين، فقد كان آخر شيء رأوه في المنام هو وجبة.
أتنفس فأشتم رائحة غريبة، كأن أحدًا مات هنا، أو كل شيء مات هنا، أشتم رائحة ذكرى رفضت المرور خوفًا من أن يغتصبها جائع، أو تموت منسيةٍ كما حدث لأصحابها.
تغلب الأفكار عقلي، فيصيبه الجوع هو الأخر فأُغمض عيني، لا لأرتاح، بل لأخدعني وأخبرني بأني ما زلت حيةً على قيد جوع.
عزيزي إن مررت بهذا المكان، أو مكانٍ يُشبهُه، لا تُناديني، فأنا قد نسيتُ ملامحي مع أول قذيفة، وتركت صوتي مدفونًا تحت الأنقاض،
واسمي!!
أكلته ذات مرةٍ عندما أصابني الجوع.

