الأحداث – أمير عبدالماجد
تركزت الأضواء خلال الأيام الماضية بقوة على زيارة نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار إلى موسكو وهي زيارة مهمة جداً في سياق الأحداث السياسية والعسكرية المتسارعة بالسودان وتفاعلات الخارج معها خاصة وأن نائب رئيس مجلس السيادة سيلتقي خلال الزيارة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتن ما يعكس حجم الاهتمام الروسي بما يحدث في السودان لكن في الأثناء ثمة زيارة يقوم بها نائب القائد العام للجيش الفريق أول ركن شمس الدين كباشي والفريق الركن يس إبراهيم وزير الدفاع إلى دولتي النيجر ومالي لها أهميتها الاستراتيجية أيضاً.
تمدد نفوذ
وتشكل دول مثل مالي والنيجر حالياً قمة هرم النجاح الروسي السياسي في الساحل الأفريقي وتتواجد بهما قواعد للفيلق الأفريقي الروسي ويعتبران نموذجاً لما أحدثه الوجود الروسي في الساحل من تحولات بخروج فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وتمدد النفوذ الروسي فالرئيسان هنا وهناك حلفاء لروسيا وهما جنرالان لديهما نفس الاهتمام وهو طرد الغربيين من البلاد واستعادة القرار الوطني.
فدولة مالي التي تبدو التعبير الأبرز عن مدى جدية موسكو في تطوير علاقتها بدول الساحل خاصة وأفريقيا عموماً شهدت في السنوات الأخيرة عدة تحولات سياسية وأمنية خطيرة كادت في بعض الأحيان أن تعصف بكيانها حيث كانت باماكو قاب قوسين من السقوط لكن وفي 20 أغسطس 2020 قاد ضابط شاب برتبة عقيد في الجيش يدعى آسيمي غويتا مع مجموعة من الضباط انقلاباً عسكرياً أطاح بالرئيس إبراهيم أبوبكر كيتا قبل أن يتولى آسيمي غويتا بنفسه رئاسة البلاد رسمياً في يونيو 2021 وبعد توليه الرئاسة حمل القائد الشاب والنخبة القادمة معه شعار استعادة الدولة الوطنية وبسط نفوذها على كامل أراضيها ومناهضة الوجود الغربي عموماً والفرنسي خصوصاً، وكان الخطاب يحمل سؤالاً بسيطاً هو بعد ستين سنة من استقلال مالي وتواجد الشركات الاقتصادية الفرنسية المسيطرة على اقتصاد الدولة ماذا استفاد الشعب؟ وهو سؤال تبدو الإجابة عليه واضحة لدى عامة الناس فلا وجود للصحة ولا للتعليم ومعدلات فقر مرتفعة وبطالة تنخر صفوف الشباب المالي كل هذا جعل الماليين الداعم الأول للرئيس الشاب وكانت موسكو من الداعمين الأبرز حيث استفاد الجيش المالي من هذا التعاون بعد أن زودته روسيا بالعديد من المروحيات القتالية والأسلحة ما ساهم في استعادة الجيش للعديد من المناطق وبسط سيطرته عليها، كما كانت مالي من دول التي استفادت من مبادرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إذ أرسلت شحنات تقدر بين 25 إلى 50 ألف طن من الحبوب مجاناً إلى بعض الدول الأفريقية من بينها مالي وبوركينا فاسو وجمهورية أفريقيا الوسطى وإريتريا.
وماحدث في مالي حدث في النيجر التي سيزورها الكباشي فقد أطاح الجنرال القوي عبدالرحمن تشياني بالرئيس محمد بازوم الذي ينتمي إلى عرب الشتات، وبدأ مباشرة في صياغة خطاب وطني تحرري أفريقي وطّد علاقات بلاده مع الحكام الجدد في كل من مالي وبوركينا فاسو حيث وقع القادة الثلاثة على تحالف عسكري جديد يجمعهم لمحاربة الإرهاب وزودت موسكو حكام نيامي كما زودت حكام مالي بمستشارين عسكريين وعتاد عسكري وهو ما قالت موسكو إنه سيعزز أمن وسلامة أراضي النيجر وسيضمن لها ألا يعود الغربيون والأمريكيون إلى هذه الدول.
طرد الغربيين
الوجود الروسي القوي في دولتين يزورهما نائب القائد العام للجيش برفقة وزير الدفاع طرح تساؤلات عديدة حول ما إذا كانت الزيارة لها علاقة بزيارة أخرى يقوم بها نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار إلى موسكو بالنظر إلى الدعم الكبير الذي تقدمه موسكو إلى مالي والنيجر كدول تحررت مؤخراً من النفوذ الفرنسي الأمريكي؟، يقول دان إيزينجا الباحث في المركز الأفريقي للدراسات الاستراتيجية أن الأمور مرتبطة ببعضها، فهذه الدول بالإضافة إلى بوركينا فاسو التي يحكمها ضابط شاب برتبة النقيب إسمه إبراهيم تراوري يلقبه السكان بتوماس سانكارا الجديد لما يحمل من قوة حيث طرد القوات الفرنسية من البلاد ومد جسور التواصل مع موسكو التي تستعد لبناء محطة نووية في بوركينا فاسو لتغطية النقص الحاد من الكهرباء الذي تعاني منه البلاد، هذه الدول مجتمعة ومجمعة على طرد الغربيين والاتجاه نحو المعسكر الروسي، وأضاف (يبدو أن موسكو هذه المرة في طريقها لصيد ثمين إذ أن دخول الخرطوم ضمن منظومة الدول الحليفة لروسيا في الساحل الأفريقي يشكل انقلاباً كبيراً بالنظر إلى أن السودان يتمتع بموقع جيوسياسي قيم ولو تم تفعيل اتفاقية إقامة مركز الدعم اللوجستي للبحرية الروسية ببورتسودان التي وقعت العام 2019 فإن الساحل الأفريقي سيشهد تحولات كبيرة جداً بوجود قاعدة قيادة وسيطرة في السودان، وربما طريق بري من بورتسودان شرقاً إلى أم دافوق غرباً وصولاً إلى كل مقرات الفيلق الأفريقي هذا تحول كبير تنظر له دول الساحل ولابد أن تنظر له بعين فاحصة خصوصاً دولة تشاد التي تشهد العلاقات بينها والخرطوم الآن تجاذبات عنيفة كما أن دول ذات نفوذ في المنطقة كفرنسا والولايات المتحدة تنظر للأمر كتطور خطير يهدد وجودها)، وتعتبر تشاد وفقاً لتقرير أصدره المعهد الأمريكي لدراسات الحرب الهدف الروسي الراهن في منطقة الساحل الأفريقي بوصفها القلعة الفرنسية الأخيرة في المنطقة، وتركز موسكو المنتشية بظهور شبان أفارقة يحملون علمها في عدد من بلدان الساحل على تمدد نفوذها في أفريقيا بالتركيز على دول الساحل الممتدة من إريتريا والسودان على البحر الأحمر حتى موريتانيا المطلة على المحيط الأطلسي وهي مساحة شاسعة تحتوي على ثروات طبيعية هائلة من غاز وذهب ويورانيوم وثروة سمكية كبيرة وثقل بشري مهم أكثريته من الشباب، كما أن بعض دول المنطقة تطل على أوروبا وما يطرحه ذلك من حساسية وتحد أمني فيما يخص سؤال الهجرة غير الشرعية أضف الى ذلك ضعف البنية السياسية لمعظم الأنظمة الحاكمة في المنطقة كل هذا جعل من منطقة الساحل عرضة للتنافس الدولي ومسرحاً من مسارح ممارسة لعبة النفوذ والقوة بين الدول الكبرى، هنا جاءت أهمية قراءة العلاقة القديمة – الجديدة بين هذه الدول وروسيا حيث شهدت السنوات الأخيرة دفعة قوية لتلك العلاقة فازدادت زيارة الوفود الرسمية وتعاظم التعاون الاقتصادي والأمني بينهما ورفعت صورة الرئيس فلاديمير بوتين في ميادينها كتعبير عن الترحيب بالقادم الجديد إلى المنطقة.
تهديد مصالح
يقول د.أسامة حنفي أستاذ العلوم السياسية إن مايحدث الآن يجعل لاعبين كثر يضعون أياديهم على الزناد لأن مايحدث يهدد مصالح دول عديدة في الغرب ويهدد أمريكا التي تعلم أن صراع الساحل هو في الواقع امتداد لصراعها في أوكرانيا، وأضاف (السودان بتحركاته الأخيرة يضع أمريكا وفرنسا وبريطانيا أمام الأمر الواقع وأعتقد أن زيارة الفريق كباشي إلى النيجر ومالي تأكيد على أن الأمور تمضي في اتجاه التطبيع مع روسيا وحلفائها في المنطقة وهو أمر جيد لو سألت نفسك عن ما جنيناه خلال سنوات من الركض خلف سراب إقامة علاقات جيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها )، وتابع (نحن الآن في حرب وجودية لا تحتمل الإجابات الرمادية والأوهام التي يبيعنا إياها الغرب أما أن تكون معي وتدعمني في حربي أو تكون ضدي)، وقال (زيارة كباشي تضع الأمور في نصابها وتقول مباشرة إننا عدنا لنمارس دورنا وعلى الدول التي دعمت التمرد أن تستعد للقادم وهي بلاشك تتابع باهتمام كبير ما يحدث وتعلم أن تحولات كبيرة ستحدث في المنطقة مع دخول روسيا التي لا تمتلك أسلحة وقدرات صناعة كبيرة فحسب بل تملك قوة عسكرية موجودة على الأرض إسمها الفيلق الأفريقي الجديد تأسست بعد وفاة قائد مجموعة فاغنر يفغيني بريغوجين ).
تحركات حكومية
وكانت موسكو قد أسست الفيلق الأفريقي بعد وفاة بريغوجين عام 2023 وتبعته إلى وزارة الدفاع مباشرة وتحت إشراف نائب وزير الدفاع يونس بك بفكوروف لضمان ألا يحدث ماحدث من فاغنر في وقت سابق، ويمكن القول إن فاغنر تحولت إلى الفيلق الأفريقي الآن إذ يعمل معظم جنود وضباط فاغنر ضمن الفيلق الأفريقي المتمركز الآن في خمس دول هي مالي وبوركينا فاسو والنيجر وجمهورية أفريقيا الوسطي وليبيا، ويقول د. أسامة حنفي (لو قرأت المشهد ستصل إلى نتائج حتمية فيما يتعلق بالتحركات الأخيرة للحكومة السودانية للحصول على السلاح من أجل حسم المعارك المشتعلة الآن وفيما يتعلق بالمواقف السياسية المعتدة باستقلال القرار الوطني).