عصر البلطجة الدولية

د. أمين حسن عمر

هل يُعدّ الإنذار الذي وجهه ترمب إلى الرئيس الفنزويلي أمرًا جديدًا ومقلقًا في العلاقات الدولية؟

ربما لم تكن ممارسات الولايات المتحدة تجاه الدول الصغيرة — والتي كثيرًا ما وُصفت بالبلطجة — أمرًا جديدًا أو استثنائيًا، لكن هل يشكّل إنذار ترمب إلى الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو — بأن ينقذ نفسه ويسلّم السلطة للمعارضة المدعومة من واشنطن — سابقة جديدة في العلاقات الدولية؟ وما هي تداعياته المستقبلية؟

من الناحية التقنية، قد لا يكون هذا الإنذار حدثًا غير مسبوق بالكامل في التاريخ الدبلوماسي، لكنه بلا شك يمثّل سابقة من حيث درجة الوضوح المباشر والتهديد العلني الصادر عن رئيس دولة عظمى لرئيس دولة أخرى خلال وقت السلم، دون أي استفزاز مباشر، وبأسلوب شخصي موجّه لرئيس دولة ذات سيادة.

لماذا لا يُعدّ سابقة مطلقة؟

على مدار التاريخ، مارست الولايات المتحدة ضغوطًا — بل ودفعت نحو تغيير أنظمة — لكن ذلك كان غالبًا يتم بصورة غير مباشرة، عبر أدوات سياسية أو اقتصادية.

على سبيل المثال:

• استخدم الرئيس رونالد ريغان الضغط على حكومة نيكاراغوا من خلال دعم “الكونترا” للإطاحة بالنظام، كما حدث الغزو الأمريكي لغرينادا في عهده، لكنه لم يوجّه تهديدًا شخصيًا مباشرًا لرئيس دولة يطالبه بالاستقالة.

• وُجّهت مطالبات دولية صريحة للرئيس الليبي معمر القذافي بالتنحّي خلال ثورة 2011، لكن هذه المطالب جاءت عبر قرارات أممية أو خطاب موجّه إلى الدولة، وليس عبر تهديد شخصي مباشر من قائد دولة إلى آخر.

• طُلب من صدام حسين مغادرة السلطة قبل غزو العراق عام 2003 لتفادي الحرب، لكن ذلك جاء ضمن سياق قرار عسكري كبير، وليس مجرد إنذار سياسي فردي.

أين تكمن فرادة هذا الإنذار؟

تتميّز الواقعة بعدة سمات غير مألوفة:

1. التهديد موجّه مباشرة إلى رئيس دولة بصفته الشخصية، لا إلى حكومة أو نظام سياسي.

2. صدر خارج أي إطار أممي أو قانوني دولي — لا مجلس أمن ولا مفاوضات متعددة الأطراف.

3. لا توجد حالة حرب بين البلدين؛ إنما تحذير مباشر لإسقاط نظام لا يعجب واشنطن، ما يجعله أقرب إلى إنذار سياسي أحادي الجانب.

ما هي التداعيات المحتملة؟

1. كسر الأعراف الدبلوماسية الدولية

هذا النوع من التهديدات يضع حدًا فاصلًا جديدًا في حدود ما هو مقبول دبلوماسيًا.

2. انحدار لغة الخطاب الدولي

قد يفتح الباب أمام:

• خطاب شعبوي مباشر بدل الدبلوماسية المهنية.

• تشجيع قادة دول أخرى على إصدار تهديدات علنية مماثلة ضد دول أضعف.

3. تعزيز الاستقطاب الدولي

قد يدفع هذا السلوك:

• روسيا والصين لتعزيز دعمها لفنزويلا كرد فعل على تدخل واشنطن.

• استخدام الخطاب الأمريكي كذريعة لرفض الهيمنة الأمريكية واتهامها بانتهاك السيادة.

4. تبعات قانونية وسياسية موازية

قد يُستخدم هذا الإنذار لاحقًا لتبرير:

• فرض عقوبات اقتصادية أوسع.

• تقديم دعم سياسي ومالي للمعارضة الفنزويلية.

• اتخاذ إجراءات أحادية إضافية بحجة “حماية الأمن القومي الأمريكي”.

5. تأثير على مبدأ سيادة الدولة

قد يفتح ذلك الباب لـ:

• إضعاف مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

• إثارة نقاش قانوني دولي حول مدى جواز الضغط المباشر على قادة الدول.

لكن الخطر الأكبر يكمن في:

• توسّع باب التدخل السياسي المباشر.

• تقويض فرص التسويات السلمية.

• شرعنة الردود الانتقامية في العلاقات الدولية.

• تحول التهديدات العلنية إلى أداة ضغط شخصية، لا وسيلة مؤسسية مشروعة.

الخلاصة

هل هو سابقة مطلقة؟

لا.

هل يمثل نهجًا جديدًا وأكثر عدوانية؟

نعم.

هل سيغيّر قواعد الحوار والضغط بين الدول؟

من المرجّح جدًا.

هل آثاره سياسية أم قانونية؟

غالبًا سياسية، لكنها قد تُستغل لاحقًا كمرجع قانوني إذا تُركت دون اعتراض فعال.

أليس التاريخ السياسي قائمًا على السوابق التي يتم التغاضي عنها حتى تتكرّس وتصير “حقًا ضمنيًا

Exit mobile version