زين العابدين صالح عبدالرحمن
كانت قد قدمت الحكومة المصرية دعوة للأحزاب السياسية السودانية للحوار في القاهرة بهدف الوصول إلى اتفاق سياسي بين المكونات التي قدمت لها الدعوة، وحددت الفترة الزمنية، أن يكون آخر شهر يونيو الجاري، ثم أجلته إلى السابع من شهر يوليو القادم، رغم أن مصر قدمت دعوة إلى تحالف “تقدم” وهي مجموعة تحالفية من مستقلين ومنظمات مدنية وأحزاب سياسية.. لكن جاء في الخبر أن مصر عدلت الدعوة أن يكون الحوار قاصراً على الأحزاب السياسية، والتعديل بدعوة أحزاب سياسية تصبح الدعوة مشروطة الحضور.. وكان الاتحاد الأفريقي أيضاً قدم دعوة لكل القوى السياسية للحوار في أديس أبابا في 15 يوليو القادم، ولم يفصل الاتحاد الأفريقي في الدعوة، ولكن مفهوم: أن الذين سوف يحضروا الحوار السياسي كل القوى السياسية التي كان قد اجتمع معها ممثلي الاتحاد الأفريقي في كل من القاهرة وبورتسودان وأديس أبابا.. وكانت تقدم قد رحبت بدعوة مصر، وعن دعوة الاتحاد الأفريقي قال الناطق الرسمي باسم “تقدم” بكري الجاك إنهم لن يحضروا الحوار الذي دعا إليه الاتحاد الأفريقي إذا شارك فيه حزب المؤتمر الوطني.. السؤال هل الاتحاد الأفريقي سوف يرضخ لشروط “تقدم” أم سوف يستمر في دعوة الحوار حتى إذا لم تحضرها “تقدم” وحضرتها القوى الأخرى؟
في جانب آخر: جاء في الخبر عن “شبكة أخبار السودان” أن رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان قد استدعى مجموعة من السياسيين ضمت “الناظر ترك رئيس المجلس الأعلى لنظارات البجا وجعفر الميرغني رئيس الحزب الاتحادي الأصل ومبارك الفاضل رئيس حزب الأمة والتجاني السيسي رئيس حزب التحرير والعدالة وجبريل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة ومني أركو مناوي رئيس حركة تحرير السودان. ويشير المصدر أن الاجتماع كان الهدف منه معرفة رؤية القوى السياسية لكيفية إدارة الدولة في ظل حكومة جديدة تحظى بتأييد القوى السياسية مجتمعة.. وكانت قيادات الجيش ممثلة في كل من الفريق أول ياسر العطا والفريق إبراهيم جابر قد تحدثوا كثيراً في عدد من منابر الحاميات العسكرية عن حكومة تكنوقراط تدير الدولة، وتحضر إلى الانتخابات العامة.. فالسؤال هل قيادات الجيش تريد أن تمهد الطريق لإعلان حكومة تكنوقراط تصبح هي المسؤولة عن الحوارات بين القوى السياسية والتحضير إلى الانتخابات العامة بعد وقف الحرب وتهيئة البيئة الأمنية والاستقرار الاجتماعي في البلاد كما ذكر بعض قادتها؟
إذا كانت الدعوة موجهة إلى الأحزاب السياسية المذكورة. لماذا أهملت قيادة الجيش أهم قطاع شعبي ظهر جديداً بعد الحرب “المقاومة الشعبية” وهي الفئة التي ساندت الجيش وما تزال تقف مع الضباط والجنود في صف واحد كتفا بكتف في مواجهة المليشيا والمرتزقة، وهؤلاء يمثلون فئة اجتماعية جديدة من شباب الوطن، ربما يكون لها رؤى جديدة تخرج البلاد من حالة الفشل، والإخفاق السياسي والنزاعات المستمرة التي تهدد وحدة البلاد، والأمن الاجتماعي.. أن “المقاومة الشعبية” ليست حزباً سياسياً جديداً، ولا انتماء سياسي موحد، بل هي مجموعات تغلب عليهم فئة الشباب واستشعرت المسؤولية السياسية والاجتماعية والأمنية، وحملوا السلاح دفاعاً عن وحدة البلاد وممتلكات المواطنين وثرواتهم وأعراضهم، هذا الاستشعار بالمسؤولية التي يقدم فيها الفرد روحه عزيزة فداء للوطن والمجتمع لن يكون عرضة لخدمة أجندة حزبية بعينها أو أجنبية، إن مشاركة هذه الفئة في كل الحوارات السياسة مسألة ضرورية، لأنها تمثل تياراً جديداً في البلاد بعيداً عن موروثات الفشل السياسي التي خلفتها كل القوى السياسية.. والاعتماد فقط على ممثلي التيارات السياسية القديمة، هؤلاء قد أثبتت التجربة لا يملكون الاستعداد للتغيير الشامل، أو التفكير خارج الصندوق، لأنهم جميعاً مشبعين بحمولات ثقافة الفشل السياسي المتوارثة من بعد الاستقلال، أن الحرب تمثل أعلى درجة من درجات النزاع، والتي تحتاج بعدها إلى عقليات جديدة بعيدة عن مخلفات الماضي، عقليات عندها استعداد تقدم آراء جريئة ولديها اتساع صدور تقبل الحوار مع التيارات الأخرى، وعقليات قادرة على إنتاج الأفكار بدلاً عن الشعارات العديدة التي ملأت سماء الوطن دون أن يكون لها مفعولاً واحداً. ومعروف أن كثرة الشعارات دلالة على الخواء الفكري والجمود العقلي.
إذا كانت الحرب التي شردت مئات الآلاف من المواطنين في الأقاليم المختلفة وفي دول الجوار، وأوقفت الحياة في البلاد بزخات الرصاص وصوت المدافع والدانات، كل ذلك لم يحدث تغييراً لهم في طريقة التفكير. بل تجد هناك من لايزال يحاول أن يفرض شروطاً للحوار، ويعتقد أن صوتهم الوحيد المسموع في الخارج الذي يراهنون عليه بأنه سوف يصبح لهم رافعة للسلطة. والغريب أنهم لا يعلمون أن الخارج يبحث عن مصالحه ويغير قناعته وفقاً لهذه المصالح.. إن هؤلاء يحتاجون أن يستيقظوا من هذا الثبات في التفكير، وتضخيم الذات غير المسنودة بحنكة الذكاء السياسي وبالقواعد الاجتماعية، وأن الانتخابات القادمة إذا قامت سوف تفضحهم أمام أنفسهم وأمام المجتمع وأمام العالم.. هؤلاء أكثر كسباً ومصلحة في استمرار الحرب، مادام هناك من يصرف على بقائهم في البناءات الفاخرة، ويوفر لهم مصاريف الحركة بين عواصم العالم، لكن سرعان ما يقف ذلك عندما تتغير القناعات عند الداعم، وتغيير القناعات تتوقف على وحدة المقاومة الشعبية ووقوفها مع الجيش صفاً واحداً، وأن يكون لها رؤية لبناء السودان واستقراره وأمنه.
إن تغيير مصر في دعوتها لحضور الحوار السوداني فقط للأحزاب السياسية، هي خطوة جيدة، وبالفعل المجتمع السوداني يريد أن يتعرف على رؤى الأحزاب السودانية لكيفية وقف الحرب وعملية بناء السودان، وعودة السودانيين من اللجوء إلى منازلهم والوصول إلى الانتخابات العامة، إن الأحزاب السياسية منفردة منذ قيام ثورة ديسمبر 2018م لم يكن لها أي مشاريع سياسية قدمت للناس، فقط حصر كل الجدل والصراع من أجل السلطة. ولكن هل تنجح مصر أو حتى الاتحاد الأفريقي على قيام الحوار رغم أنف الذين يضعون شروطاً له، وإذا رضخت مصر أو الاتحاد الأفريقي لهذه الشروط يكونوا غير جديرين برعاية الحوار.. و نسأل الله حسن الخاتمة.