بقلم: قريب الله محمد الباز
شهد العالم حدثًا دبلوماسيًا بارزًا هذه الأيام تمثل في التوصل إلى اتفاق تاريخي بين فلسطين وإسرائيل، بوساطة دولة قطر. هذا الاتفاق يُعتبر ثمرة جهود دؤوبة قامت بها قطر لتوطيد الحوار والسلام في منطقة الشرق الأوسط، التي عانت طويلاً من الصراعات والنزاعات. جاءت هذه الخطوة كأحد أبرز الأمثلة على الدور المحوري الذي تلعبه “القوة الناعمة” في تحقيق السلم العالمي وبناء التفاهم بين الشعوب.
عربياَ، يمثل هذا الاتفاق أملاً جديداً لإعادة الاستقرار في المنطقة، التي ظلت تعاني من الانقسام والتوتر لعقود. ويؤكد أن الحوار يمكن أن يكون بديلًا حقيقيًا عن العنف، وأن الجهود الجماعية للدول العربية يمكن أن تُحدث تحولاً إيجابيًا ملموسًا. كما يبرز الاتفاق مكانة قطر كقوة دبلوماسية ذات تأثير إيجابي في المنطقة.
عالميًا، فإن الاتفاق يرسل رسالة قوية بأن التفاوض والحوار يمكن أن يحلا محل العنف والصراع. في ظل سباق التسلح المستمر والصراعات الممتدة التي دمرت دولًا بأكملها، يشكل هذا الاتفاق نموذجًا يُحتذى به لكيفية استخدام الموارد والنفوذ لخدمة الإنسانية بدلاً من تأجيج الحروب.
إن الوساطة القطرية في هذا الاتفاق تجسد مفهوم “القوة الناعمة” التي تعتمد على الدبلوماسية والثقافة والتعاون لتحقيق أهداف سياسية وإنسانية. في عالم مليء بالصراعات، تظهر الحاجة الماسة إلى مثل هذه الجهود التي تركز على بناء جسور التفاهم بدلاً من التسبب في المزيد من الدمار.
الحروب التي شهدها العالم، من العراق إلى سوريا واليمن، والسودان مؤخراً دمرت ملامح الدول وأفقرت الشعوب. يقول الله تعالى في كتابه الكريم: “ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفًا وطمعًا إن رحمة الله قريب من المحسنين” (الأعراف: 56). إن هذا النداء الإلهي يشدد على أهمية العمل من أجل الصلاح والبناء بدلًا من الفساد والهدم.
لطالما كان الحوار هو السبيل لتحقيق السلام الدائم. يذكرنا الشاعر العربي زهير بن أبي سلمى
بقوله:
“وما الحربُ إلا ما علمتم وذُقتمُ وما هو عنها بالحديثِ المُرجّمِ”
فإن استخدام القوة أمام الضعفاء ليس انتصاراً، والسلام مع الأقوياء ليس خسارة، إذا كان ميزان الاعتدال هو العقل والحكمة. هذا المبدأ يعكس أن السلام ليس تنازلًا أو هزيمة، بل هو تعبير عن استراتيجية ذكية تقوم على التوازن والحوار، لتجنب الحروب والدمار. في هذا السياق، يكون السلام مع الأقوياء خيارًا حكيمًا وليس علامة على الضعف، بل دليلًا على القوة التي تبني وتستمر.
كما أن الحرب، في الأحوال والأماكن المختلفة، تتغير حينما يتم استخدام القوة بلا هوية أو هدف.
هنا يكون حسمها العسكري خيارًا قويًا خصوصًا عندما يكون الهدف هو قطع طمع الطامعين وفرض الوصاية على الأوطان.
التاريخ مليء بالشواهد على أن القوة العسكرية حسمت الحروب و العكس صحيح أيضاً وقوة العدة والعتاد تكسب ثقلًا، ولكن النصر الحقيقي يأتي بيد الله.
يقول نيلسون مانديلا: “إذا أردت صنع السلام مع عدوك، فعليك أن تعمل معه. ثم يصبح شريكك.” هذا النهج هو ما تبنته قطر بمهارة ودبلوماسية، حيث أظهرت للعالم أن بإمكان الدول الصغيرة أن تكون كبيرة بتأثيرها وأعمالها.
خلق الله الناس أجناسًا وألوانًا وقدرات مختلفة ليتكاملوا ويحققوا الغاية من وجودهم، كما قال تعالى: “وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم” (الحجرات: 13). إن السلام ليس مجرد غاية بل وسيلة لتحقيق الرخاء والتنمية. بدلاً من إنفاق الموارد على التسلح والحروب، يجب أن تُوجَّه نحو التعليم، والصحة، والبنية التحتية، مما يحقق الرفاهية للجميع.
هذا الاتفاف هو رسالة واضحة للعالم بأن السلام ممكن إذا توفرت الإرادة، وأن القوة الناعمة قادرة على تحقيق ما عجزت عنه الأسلحة. إنه مثال حي لما تحتاجه الإنسانية في هذا الزمن المضطرب: الحكمة، الحوار، والتعاون من أجل مستقبل أفضل.
وعليك السلام ورحمة الله ياوطن،،،.