رأي

زيارة هاكان والبرهان وأردوغان

أسامه عبد الماجد

إذا تأملت صورة المباحثات التي جمعت الرئيس عبد الفتاح البرهان بنظيره التركي رجب طيب أردوغان، ستقع عيناك على الرجل الجالس إلى يسار أردوغان، وزير خارجيته هاكان فيدان.. لقد جرت مياه كثيرة – بل حمامات من الدم – تحت جسر المشهد السوداني، بين قمة الأمس وبين استقبال البرهان لـ (فيدان) في الخرطوم في الأسبوع الثالث من يناير 2023 حين كان يشغل منصب مدير جهاز المخابرات.. لم تُول القيادة زيارة الثعلب التركي أي اهتمام يذكر.. كما لم تأخذ على محمل الجد المعلومات الخطيرة التي قدمها.. ودق جرس الإنذار مبكراً باقتراب لحظة إطلاق الجنجويد للرصاصة الأولى.
0 كتبت في هذة الزاوية بعد يومين من زيارة فيدان للخرطوم تحت عنوان (كاتم أسرار الرئيس).. افتتحت المقال (أكاد أجزم أن أهم زيارة لمسؤول أجنبي إلى الخرطوم طيلة الاربعة سنوات المنصرمة أو يزيد قليلاً.. كانت بقدوم هاكان .. هو شخصية خطيرة في تركيا وصاحب النفوذ القوي.. يأتي بعد الرئيس رجب طيب اردوغان مباشرة.. الذي يقول عنه: (إنه حافظ أسراري. إنه حافظ أسرار الدولة).
0 اشرت في المقال لاستقالة هاكان في 2015 والتي رفضها أردوغان بسبب اعتزامه خوض الانتخابات البرلمانية وكان حدثاً مدوياً هز تركيا.. التقيت وقتها مدير جهاز الأمن الأسبق المهندس صلاح عبد الله (قوش) وكان يتهيأ لخوض الانتخابات كنائب عن دائرة مروي.. وسألته عن سر ميل رجال المخابرات لدخول البرلمان.. بدأ قوش معجباً بهاكان للغاية، وتحدث عنه بشكل دقيق وقدم معلومات ثرة ومدهشة عنه.. ولفت قوش انتباهي إلى أن دراسة فيدان للماجستير هدفت لتطوير جهاز الاستخبارات.. وكانت وجه مقارنة بين الاستخبارات التركية والامريكية والبريطانية.. وصدقت نبؤة قوش عندما توقع في 2015 مستقبل مشرق لهاكان.
0 تناولت سيرة الرجل الناصعة حيث أشرف على تقسيم جهاز استخبارات بلاده إلى جهازين، أحدهما للداخل، والآخر للخارج.. على غرار (سي اي ايه)، وأجاد دبلوماسية المخابرات بشكل احترافي.. وامتلاكه خبرة واسعة في العمل الخارجي حيث كان رئيساً لوكالة التعاون والتنسيق التركية (تيكا).. كما انه أستاذ جامعي لمادة العلاقات الدولية.. أما رسالته للدكتوراة حملت عنوان (الدبلوماسية في عصر المعلومات).
0 وأشرت الى انه رغم استمرار اشتعال الحرب الروسية الاوكرانية، جمع الرجل مديري المخابرات الامريكية والروسية في انقرا.. وسبق لأردوغان بان امتدح أدوار استخبارات بلاده في ادارة الملفين الليبي والسوري.. كما لعب هاكان دورا كبيراً في اعادة علاقات تركيا مع مصر حين قام بزيارة القاهرة والاجتماع مع نظيرة عباس كامل.. وضبط ايقاع العلاقة مع العراق.. ويتولى بشكل مباشر ملف الأمن الغذائي فيما يلي قضية القمح مع روسيا وأوكرانيا .. ولعب دورا كبيراً في تنامي نفوذ تركيا في الشرق الأوسط .
0 وكتبت ان زيارة رجل بهذا الثقل والدهاء والذكاء للخرطوم تحسب لصالح جهاز المخابرات السوداني بقيادة الفريق أول أحمد مفضل.. واشرت الى قيامه بترتيب الملفات بهدوء.. وأعاد للمؤسسة الامنية هيبتها ووضعها في مسارها الصحيح.. نسبة للمهنية التي يتحلى بها، كونه (ود البيت).. إذ أن سلفيه أبوبكر دمبلاب وجمال عبد المجيد أبناء المؤسسة العسكرية (أولاد دفعة) مع البرهان.. وتوليا المنصب في ظروف بالغة التعقيد.
0 وأكدت في المقال أن زيارة هاكان تعتبر مؤشراً واضحاً على أن مفضل يقود تنسيقاً خارجياً واسع النطاق.. ويتمتع بشبكة علاقات دولية رفيعة المستوى، وهو ما يبعث على قدر كبير من الاطمئنان.. ولا سيما في ظل وجود ملفات إقليمية شائكة تتطلب منح جهاز المخابرات مساحة أكبر للحركة.. مثل قضايا الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، والعلاقات مع ليبيا وأفريقيا الوسطى.. حيث نجح جهاز المخابرات السوداني في رعاية اتفاق سلام بين أطرافها في الخرطوم.. إضافة إلى الملف الليبي الذي كان للسودان فيه دور فاعل ومؤثر، فضلًا عن العلاقات مع دولة الجنوب.
0 وقلت أن الملف الأكثر أهمية ويديره جهاز المخابرات بكفاءة ومهنية هو مكافحة الإرهاب .. وبرع فيه السودان منذ سنوات طويلة.. وتحديداً منذ احداث 11سبتمبر 2001.. وعمليات التهريب ، بجانب العديد من الملفات الداخلية في ظل موجة العمالة العاتية وحالة التناحر القبلي والتشظي السياسي.. وأشرت الى ان زيارة هاكان للخرطوم لها مابعدها خاصة وقد سبقتها بفترة قصيرة زيارة نظيره المصري عباس كامل.. وختمت مقالي بتساؤل ترى ماذا يخبئ مفضل – الذي يعمل في صمت – في حقيبته ؟؟.
0 حسناً.. كما كان هاكان جالساً على يسار رئيسه أمس، بصفته وزيراً للخارجية.. كان مفضل قد حجز مقعده على يسار البرهان. . وكان الوحيد الذي استوعب خطورة المعلومات التي طرحها فيدان خلال زيارته للخرطوم.. ولهذا السبب لم يتعرض الجهاز لصدمة الحرب ولم يقع أي ضابط من منسوبيه في قبضة المليشيا.. وامتلك زمام المبادرة منذ وقت مبكر، وكان دوره محورياً في الحرب.
0 حشد أردوغان في مباحثاته مع البرهان فريقاً أمنياً وعسكرياً رفيع المستوى، ضم إلى جانب هاكان كلاً من مدير المخابرات الجديد إبراهيم قالن، مدير التصنيع الحربي، وزير الدفاع، والمستشار الرئاسي للأمن.. ولو تم استيعاب ما قالته أنقرا قبل اندلاع الحرب، لغاب هؤلاء الجنرالات عن طاولة المباحثات أمس .. ولانصرفت النقاشات إلى ملفات الزراعة والمعادن وربما السياحة.. وقد استقبلت تركيا العام الماضي نحو (53) مليون سائح أجنبي ونحو (10) مليون سائح تركي مقيم بالخارج.. وقفزت العوائد السياحية إلى مستوى تاريخي بلغ اكثر من (61) مليار دولار.
0 يترسخ لدي يقين بأنه إذا تعامل البرهان – هذة المرة – برؤية المدرسة التركية – القائمة على الاستباق وحسن تقييم لموازين القوى.. وقرأ المشهد بعقل الدولة لا بردة الفعل.. فسيخرج من فخ الرباعية بأقل الخسائر.. بل وقد يكتشف أن تجاوز هذه المرحلة لا يتطلب مبادرات إضافية.. بقدر ما يحتاج إلى قرار جرئ في التوقيت الصحيح.
0 ومهما يكن من أمر.. قرار يعيد زمام المبادرة للدولة ويغلق الأبواب أمام الوصاية السياسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى