رواندا.. من جراح الأمس إلى الريادة الرقمية

آفاق رقمية

د. محمد عبدالرحيم يسن 

حين يذكر التحول الرقمي في إفريقيا، لا بد أن تتصدر رواندا المشهد. بلد صغير المساحة، محدود الموارد، جعل من التقنية رافعة للنهوض الوطني بعد مأساة التسعينيات. لم تكن البداية سهلة، فقد خرجت رواندا من جراح حرب مدمرة عام 1994 تركت آثارا على المجتمع والاقتصاد، لكنها آثرت أن تجعل من التكنولوجيا وسيلة لإعادة البناء.

بدأت المسيرة برؤية سياسية واضحة، ترجمت إلى تشريعات وخطط إستراتيجية مثل “رؤية 2020″ و”رؤية 2050” التي جعلت من التحول الرقمي أداة للنهوض الوطني.

وضعت الأساس عبر إنشاء شبكة ألياف ضوئية غطت معظم أراضي البلاد وربطت المدن بالريف، ثم انتقلت إلى مرحلة الخدمات الإلكترونية عبر منصة IremboGov التي توفر أكثر من مائة خدمة حكومية. ولم تقتصر الرؤية على المدن، بل امتدت إلى الريف عبر إستخدام الطائرات المسيرة لتوصيل الدم والدواء إلى القرى النائية، بينما تكامل ذلك مع الاستثمار في التعليم الرقمي بإدخال المناهج المعلوماتية منذ المراحل المبكرة وتوفير الحواسيب للطلاب، ليغدو التحول الرقمي مشروعا وطنيا متكاملا أعاد صياغة علاقة المواطن بالدولة.

لم تكن هذه النجاحات من فراغ، فقد استفادت رواندا بذكاء من تجارب دول سبقتها، كوريا الجنوبية التي نهضت من ويلات الحرب إلى قوة صناعية ورقمية، وإستونيا التي حولت صغر حجمها إلى فرصة لتكون رائدة الحكومة الإلكترونية. ومن اللافت أن وكالة التعاون الكورية أسهمت في صياغة الإطار العام للحكومة الإلكترونية في رواندا، كما ساعدت أكاديمية الحكومة الإلكترونية في إستونيا في تدريب المئات من شباب رواندا في برنامج “المسار السريع للمعلومات”، وهو ما سرع انتقالهم إلى الاقتصاد الرقمي.

نحن في السودان، التجربة الرواندية تلهمنا بأن التحول الرقمي يمكن أن يكون مدخلا لإعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة، وأن البداية لا تحتاج موارد ضخمة بقدر ما تحتاج إلى رؤية واضحة، مؤسسات قوية، واستمرارية في التنفيذ. إن تجاوز تحديات آثار الحرب السياسية والاقتصادية ممكن إذا جعلنا التقنية أداة لإصلاح الإدارة والخدمات، لا مجرد شعارات.

القصة الملهمة، أن وضوح الرؤيا والإرادة الصادقة والاستفادة من التجارب الناجحة جعلت من رواندا دولة تحولت من “رمز الخراب” إلى “مختبر الابتكار”.

آفاق رقمية تفتح أمامك نوافذ على تجارب رائدة من دول ومؤسسات سبقتنا في دروب التحول الرقمي، لنستلهم منها العبر، ونمضي معكم في رحلة جديدة.

Exit mobile version