رحيل الفاتح عروة : ربطاً لأحزمة الصبر

 

السفير/ عبد المحمود عبد الحليم

رأيناها من عل وهي تبدو كطائر غريب كما في وصف الطيب صالح للضباط الإنجليز أثناء مرورهم بالقرى البعيدة……رويدا يظهر شكلٍ الطائرة وهى تدنو من نقطة الهبوط في المطار القديم باديس أبابا وكنت بها وقتها قائما بأعمال السفارة حيث كان التاريخ قد وزع رقاع الدعوة لحدث لن يكون بمقدور أمطار الهضبة إزالة آثاره… تقف الطائرة وكان أول المترجلين منها الابتسامة الواثقة والشجاعة لقائد الطائرة الفاتح عروة قبل أن يهبط بمعية قائد التغيير التاريخى الكبير فى اثيوبيا ملس زيناوى وسيوم مسفن وقادة كبار… الفاتح لا يطالع أحداث التاريخ الكبرى في المنطقة من أرفف مكتباتها لكنه يصنعها…كانت زياراته المتتابعة لاديس أبابا،ةوقدّ استوى أمر استقرارها على جودى سلطة ” الجبهة الثورية الديمقراطية للشعوب الإثيوبية ” ، من أحداث المدينة الهامة التي تبذل لها المطارف والحشايا والاعداد على مستوى مكتب رئيس الوزراء ملس زيناوى، ومنزله الذى كان حفيا بزيارات الفاتح للأسرة ، ونادى الضباط لتقديم تنويرات احيانا حول أوضاع القرن الافريقي .. عند قدومه لزيارتنا بالسفارة كنا نحس بوصوله لمقرها من واقع الجلبة التى نسمعها والناجمة عن تزاحم عمال السفارة خارج المكاتب لتحيته والترحيب به فقد كان محبوبا من الجميع… أما الطائرة التي دخلت تاريخ اثيوبيا فقد طار بها سعادة الراحل المقيم الفريق الفاتح عروة مرة أخرى إلى مكلي عاصمةالتقراي في الذكرى الأربعين لإنشاء “الجبهة الشعبية لتحرير التقراي ” ويحتفظ بها الان في متحف المدينة …. دارت الأيام لنلتقي بالفاتح بنيويورك وأنا أخلفه فى موقع مندوب السودان الدائم لدى الأمم المتحدة التي كان بها مهابا مهيبا تحفظ له نيويورك مواقف وإنجازات شتى يحمل وحده ملكيتها الفكرية بلا منازع… عندما يكون التميز حاضرا فالفاتح لايراعي فروق الوقت كما أنبأنا رفيق إنجازاته في مواقع أخرى الباشمهندس المبدع ابراهيم أحمد الحسن…. لئن لعب الفقيد دوراً رائداً فى النهوض بقطاع الاتصالات فى السودان فقد أعطى كذلك معنى ومغزى لمفهوم المسؤولية الاجتماعية من واقع تبني نشاطات وجوائز للمسابقات الأدبية والفنية والثقافية والرياضية ورعاية فعالياتها وبرامجها المختلفة والمتعددة … الفاتح الذي أغمض الحمام جفونه وتوقفت خيوله عن الصهيل كان أحد رموز عصرنا النجباء وقصة نجاح لن يكون بمقدور أجهزة ” الفار ” التاريخية عدم احتساب أهدافها….

Exit mobile version