د.على الله عبدالرازق على الله يكتب: الانتقال من الذهنية التبريرية الى العقلية – ضرورة للإصلاح السياسي للأحزاب

alalla@gmail.com

-١-
من إشكاليات القوى السياسية الحزبية السودانية منذ الاستقلال ، غياب العملية النقدية لتطوير المسار الحزبى و السلوك السياسى السلبى لها ، هذا فضلا عن غياب النقد اللازم للعملية الإصلاحية بعمق ، و هذا ما جعل احزابنا لا تقيم تجاربها و مشاريعها الفكرية فى الممارسة الجيدة للعملية السياسية ، الا فى سياق التبرير و جلد الذات ، بهدف التهرب من تحمل مسؤوليتها عن أخطائها التاريخية ، بل ان كثير من الاخفاقات و الأخطاء التاريخية للاحزاب السودانية ، تم استثمارها كانجازات …
-٢-
لاجل تطوير النظام الديمقراطية مستقبلا ، ينبغى على المكونات الفاعلة داخلها ، ان تتفخص و تدرس تجربة الحزب السياسى بموضوعية و علمية ، و تنحية المشاعر و العواطف الغالبة على طبيعة المجتمع السودانى ، و إغلاق ملف التعصب الأيديولوجي و الانبهار بها جانبا ، و ان تجعل من بوصلة التقييم هادية من اجل المصلحة الوطنية للسودان ، لذلك يلاحظ يعلو و ينخفض كثيرا صوت الحزب من خلال ما قدمه من منجزات اقتصادية تنموية واجتماعية و سياسية باعتبارها تكرما و انجاز خارق .. و بالضرورة ان القدرة لهذا الانجاز الواجب وطنيا ، تتناسب طرديا مع التطور الفكرى و المؤسساتى للمؤسسة الحزبية..
-٣-
ان من اهم أسباب الفشل المريع فى دورات الديمقراطية الثلاث فى السودان ، هو غياب الوعى و الادراك لمفهوم الديمقراطية و شروط استدامتها العديدة و المعقدة التركيب ، و التى ينبغى ان تحظى بالدراسة الفكرية العميقة ، مستعينا بمنهج تحليل المضمون للأهداف ، و مدى ملائمة الفكر و النظام الديمقراطى لطبيعة المجتمع السودانى المعقدة..
ليس من العقل ان نتجاهل الأسباب ، التى ادت الى انهيار النظام الديمقراطى فى السودان ، و ابرز تلك المسببات ، تتمثل فى تصرفات الأحزاب السياسية السودانية التى فوضها الشعب لإدارة حكم البلاد ، لجهة ان مستوى الأداء السياسى و درجة النجاح فى مخاطبة قضايا المجتمع الملحة هو أهم وسيلة لاجتذاب التعاطف و التقدير والاحترام من قبل الشعب للمؤسسة الحزبية السودانية للشىء الغريب عن تصرفاتنا المسمى بالديمقراطية و المدنية… و لا داعى هنا لنقد الديمقراطيات التى مرت على السودان خلال العهود السابقة.. بالتأكيد ان الانقلابات و نقض العهود و الالتزامات تحملتها الممارسة الديمقراطية نفسها للاحزاب السياسية ، و لكن هذا لا يمنع من مساءلة الأحزاب عما فعلته فى أداءها الديمقراطى فى داخلها خلال سنوات حكمها ، و عن تخريب لصورة الديمقراطية البهية ، لأن أداءها كان ذا اثر كبير فى تدهور الأوضاع بكافة جوانبها ، و حتى فى مستقبل الديمقراطية نفسها …
-٤-
ينبغي ان اردنا ديمقراطية حقه و حقيقية ، و ليست هتافية ، كما هو ماثل الان من تحركات و عصيان وتمرد و اغلاق للبلد و حرق للاطارات و تخريب الممتلكات العامة للدولة و الخاصة ، أن ندرك ان الانقلابات التى حدثت فى السودان منذ الاستقلال ، و معرفة ما يدور فى أروقة الأحزاب السياسية عشية وقوع كل انقلاب…. ليس الهدف هنا السعادة و الرضا بالانظمة الديكتاتورية و قتل الروح المعنوية للثوار و الثورة ، انما هو دعوة للأحزاب لمعرفة أوجه قصورها و جوانب ضعفها التى ينبغى تجتهد فيها بجدية و مسؤولية و نزاهة ، سدا لذرائع الانقلابات ، و تطويرا للتجربة الديمقراطية مستقبلا…..
-٥-
ان ما نعانى فيه من محن و ازمات و توهان ، يستوجب عقلا و وطنية و ان اردنا خيرا للسودان و شعبه ، إعادة النظر ، فى الممارسة المؤسسية الحزبية ، باعتبارها افضل و أرقى كيان و اجتماع لاجل مستقبل واعد و منشود للمجتمع ، تتحقق فيه النجاحات و الانجازات السياسية الملهمة الباذخة ، كما حقق حزب المؤتمر الوطني فى جنوب افريقيا من تجربة مبهرة و رائدة فى التحول الديمقراطي و العدالة الانتقالية فى اربع سنوات لا غير ، هذا ما لم يتحقق فى السودان ، إنما قبل انقضاء الاربع سنوات يتحقق انقلاب عسكرى نتيجة للظروف المهيأة له….
-٦-
لم يتحقق طوال الأنظمة الديمقراطية شىء يذكر فى السودان سوى مزيدا من الأزمات ، و الحروب ، و انقسام للوطن ، و تناحر أبناءة حول السلطة ، بل تحول جزء مقدر منهم الى مقاتلين و متناحرين اشاويس ، و فقر و جوع ، و انهيار تام للتعليم و الصحة فى بلد يرقد تحت موارد ضخمة ..
اذا ما استمر الحال على ما هو عليه و دام ، فإن الثابت هو مفردة الازمة بكل جوانبها … التغيير الراشد الناضج لا يكون الا بتوطين و اعمال العقلية النقدية للممارسة السياسية للأحزاب..
و الله يهدى الى سبيل الرشاد و الرشد..

Exit mobile version