دفتر أحوال السودان (85): من شمال بحري ودنقلا وأم صِميمة وأم هِجيلِيجة

ولاية الخرطوم – تشهد منطقة شمال بحري استقراراً نسبياً مشهوداً، بعد زيادة تدفّق المواطنين العائدين إلى منازلهم، ولم تسجِّل المنطقة خروقات أمنية واضحة، مُقارنةً بمناطق أخرى بالعاصمة.

ورصد مراسل «أتَـر» خلال جولته بالمنطقة، حركة دؤوبة ومتزايدة في أحياء وأسواق شمال بحري، وانتشاراً كثيفاً للحافلات العاملة في خطوط المواصلات العامة بين الجيلي والكدَرو وحتى كوبري الحلفاية والمحطة الوسطى في بحري؛ وتتفاوت أسعار تعرفتها بين 1500 و2000 جنيه، كما زاد عدد محطّات خدمات الوقود على نحوٍ ملحوظ.

انتعشت الأسواق المختلفة في السقّاي والجيلي وعاد سوق الكدَرو للعمل، مع استقرار نسبيّ في أسعار السلع والمواد الغذائية. وشاهَدَ مُراسل «أتَـر» عدداً من البقالات والجزارات والمخابز والصيدليات، وعدداً من محلات توكيلات شركات الدقيق مثل سيقا وروتانا وويتا، تعمل طوال النهار. وقال مهندس يعمل بشركة سيقا، لمراسل «أتَـر»، إنّ إنتاج المطاحن في ازدياد، خاصة الكميات المنقولة إلى الولايات على طول طريق التحدي.

ويشهد شارع التحدي حركة شاحنات مستمرّة، ذهاباً وإياباً. وفي هذا الصدد، قال محمد الدومة، سائق شاحنة، لمراسل «أتَـر»، إنّ الشاحنات المُقبلة من بورتسودان تمرّ عبر ولايات نهر النيل والخرطوم وتتّجه إلى ولاية النيل الأبيض وكردفان عبر جبل أولياء، وإلى ولاية الجزيرة وسنار والنيل الأزرق عبر شرق النيل، محمّلة بالمواد الغذائية ومواد البناء ومدخلات الإنتاج الزراعي.

في الحقل الصحّي، عادت بعض المستوصفات الطبية في الكدَرو والدروشاب والحلفاية، ومستشفى حاج الصافي، بعد خروجها عن الخدمة لأكثر من عامين، ما أدّى إلى انخفاض كبير في معدّلات الأمراض، بحسب مواطنين تحدّثوا لـ«أتَـر».

«تضاءلت نسب الإصابة بالملاريا وحمى الضنك والكوليرا»، يقول المواطن عبده صالح الذي يقطن الحلفاية، مضيفاً أنّ الحملات المكثّفة على نواقل الأمراض خفَّفَتْ كثيراً من معاناة المواطنين.

وعادت محطة المياه الرئيسة في محلية بحري إلى العمل، لتشمل مناطق واسعة من المدينة بعد ضخّ المياه في الشبكات الداخلية بالأحياء بعد توقّف طويل. لكن توقّفت يوم الاثنين الماضي محطة مياه شمال مدينة بحري «التمانيات» عن العمل نتيجة انخفاض حادّ في منسوب مياه النيل، كما أفادت هيئة المياه في بيان، مضيفةً أنّ الهيئة تعمل حالياً على تأمين حفّارة مخصّصة لتطهير القناة الفرعية التي تُغذّي المحطة مباشرةً من النيل.

وكانت السلطات في ولاية الخرطوم، إلى جانب مبادرات شعبية، قد شرعت في أعمال الصيانة بمحطات المياه في المنطقة، بالتزامن مع إصلاح محوّلات الكهرباء والاستعانة بالطاقة الشمسية في بعض المناطق.

وتنشط فرق محلية بحري في فتح المجاري وإزالة الأنقاض، استباقاً لمياه الأمطار، خاصة المنطقة الواقعة  على واجهة الشارع الرئيس في الحلفايا (شارع المعونة) حتى مجمع الزرقاء، قد شهدت معارك ضارية بين طرفي الحرب. وقد شاهد مراسل «أتَـر» حركةً لصيانة المنازل وعودة شاحنات نقل الطوب والخرسانة والرمل ومواد البناء الأخرى، قبالة حي الرحمانية شمال الحلفاية.

ورصد مراسل «أتَـر» عمل نحو 5 مدارس خاصة، بمنطقة الحلفاية، منها زايد الخير، وفاطمة الزهراء، وأحمد الزبير، ومدرسة عون الشريف قاسم.

يخبر النور محمود، صاحب مكتب عقارات مراسل «أتَـر»، أنّ حركة إيجار المحال التجارية على الشارع الرئيس، تشهد ارتفاعاً ملحوظاً؛ مُقارنةً بأسعار الإيجار في أوقات سابقة، حيث بلغ إيجار المحل الواحد ثلاثة ملايين جنيه، وكان في السابق أقلّ من مليون جنيه بكثير.

دنقلا: هجوم مسلّح يُثير مخاوف السكّان

 الولاية الشمالية – خلّف هجوم ليليّ مسلّح وَقَع بمدينة دنقلا العجوز قلقاً أمنياً وسط مواطني المدينة، وأثار تساؤلات حيال الأوضاع الأمنية في الولاية الشمالية غير البعيدة من منطقة المثلث التي تحتلّه قوات الدعم السريع منذ أكثر من شهرين.

وقد وقع الهجوم فجر الاثنين 14 يوليو على قسم الشرطة بقرية الغدار المتاخمة للمدينة، وأسفر عن استشهاد الشرطي محمد عثمان إمباش، وإصابة عدد من أفراد القوة بالقسم، الذين يتلقّون العلاج حالياً وهم في حالات حرجة بمستشفى الوفاق القطري بمنطقة تَنْقَاسي.

استخدم المهاجمون، بحسب مصادر ميدانية، أسلحة من ضمنها القرنوف من داخل عربة «صالون» لا تحمل لوحات تعريفية، وبادروا بإطلاق النار الكثيف والمُباغت على أفراد حراسة القسم، ما أدّى إلى شلّ حركة القسم تماماً، بما في ذلك تعطيل مركبة الشرطة الرسمية، ومن ثم توجّه المهاجمون إلى فرع البنك الزراعي بالمنطقة، وأطلقوا النار عشوائياً في محيطه. وقد تمكّن حارس البنك والشرطي المناوب من الفرار والنجاة في اللحظات الأخيرة. بعدها لاذ المهاجمون بالفرار دون أن تتمكّن السّلطات من توقيفهم أو التعرّف على هوياتهم.

وتبعد دنقلا العجوز نحو 126 كيلو متر عن مدينة دنقلا عاصمة الولاية الشمالية، وهي منطقة أثرية شهيرة على نهر النيل.

أعادت الحادثة إلى الأذهان التحذيرات السابقة حول وجود خلايا نائمة وعناصر تابعة لقوات الدعم السريع تنشط داخل دنقلا، وبتواطؤ محتمل من بعض الجهات، بحسب ما يقول مواطنون تحدثوا إلى «أتَـر». ويقول المواطن أحمد دمباوي إنه في ظلّ هذا التصعيد الخطير، يُعدّ الحادث جرس إنذار لأجهزة الدولة، لمراجعة الوضع الأمني في الولاية الشمالية وتعزيز حماية المؤسسات.

ووصفت المقاومة الشعبية الهجوم بـ«الغادر»، وقالت في بيان لها حول حادثة الهجوم المسلّح على قسم شرطة دنقلا العجوز، إنّ المشهد مؤلم، وهزّ وجدان أهلنا في الولاية الشمالية، وزاد من الإحساس بالخطر المحدق الذي يهدد المجتمعات الآمنة.

بينما لم تعلق لجنة أمن الولاية الشمالية على الهجوم، لكنها أعلنت، بالتزامن مع الأحداث، استعداد القوات المسلحة والقوات المساندة لها لـ«دحر» الدعم السريع في منطقة المثلّث.

وقال مقرّر اللجنة محمد علي الكودابي، إنّ الولاية الشمالية ستظلّ عصية على الدعم السريع، كاشفاً عن اجتماع برئاسة والي الشمالية عبد الرحمن عبد الحميد ناقش الأوضاع في المنطقة وقرّر الاستنفار للدفاع عن حدود الولاية.

وأدانت حكومة الولاية الشمالية الهجوم، واصفة إياه بأنه استهداف سافر لمؤسّسات إنفاذ القانون ومزعزع لأمن المواطنين واستقرار الولاية؛ وقالت إنّ محاولة السطو على المبالغ المالية التي أُودعت في خزانة البنك الزراعي قبل ساعات من الهجوم باءت بالفشل، بفضل المواصفات التأمينية المُحكَمة لخزانة البنك، والتي حالت دون وصول المعتدين إلى مبتغاهم.

أم صِميمة: قرية في خطّ المواجهة

ولاية شمال كردفان – عندما أعلنت الدعم السريع في الثالث عشر من يوليو الجاري سيطرتها على أم صِميمة بولاية شمال كردفان، توقَّع البعض أنّ المنطقة التي شهدت الحدث هي قرية أم صِميمة الواقعة شمال شرق مدينة بارا، حتى تكشّف الأمر لاحقاً وتبيَّن أنها منطقة أخرى تقع على مسافة حوالي 40 كيلومتراً غرب مدينة الأبيّض.

وتتميّز أم صميمة غرب الأبيض، التي شهدت معركةً ضاريةً بين المجموعات المسلّحة التي تساند الجيش وقوات الدعم السريع، بأنها من أهمّ مناطق الرعي والزراعة بغرب ولاية شمال كردفان، حيث يربّي السُّكانُ الأغنامَ والإبل والأبقار، وينشطون في زراعة الفول والسّمسم والذُّرة وفقاً لإفادة من الهادي بريمة وهو أحد سكّان المنطقة.

ويقول بريمة لـ«أتَـر»: «أم صميمة التي تداوَل الناس أخبارها كثيراً في الأيام الماضية، هي قرية كبيرة أقرب إلى كونها مدينة، لها تاريخ طويل وأهمية بالغة، اكتسبتها من موقعها الجغرافي الاستراتيجي على طريق الأبيّض الفاشر».

وتقع أم صِميمة هذه على الطريق القومي، على مسافة 40 كيلومتراً غرب الأبيض، لذلك كانت لها أهمّية كبيرة في العمليات العسكرية، إذ إنها آخر نقطة ارتكاز في ولاية شمال كردفان من الناحية الغربية على مقربة من حدود ولاية غرب كردفان التي تسيطر عليها الدعم السريع باستثناء الفرقة 22 بابنوسة.

وكان السكّان، الذين يُقدّر عددهم ببضعة آلاف وهم خليط من الرعاة والمزارعين، قد أكملوا استعداداتهم للزراعة، لكنّ الهجوم الغادر من قبل الدعم السريع دفعهم للنزوح نحو مدينة الأبيّض التي امتلأت بالنازحين من مناطق كثيرة، قادمين من خطّ النار حيث تدور المعارك العسكرية، بحسب حديث بريمة لمراسل «أتَـر».

وعقب المعركة مباشرةً، شهدت المنطقة عمليّات نهب واسعة، حيث استولى جنود الدعم السريع على ممتلكات المواطنين ونهبوا المحاصيل الزراعية والمتاجر والسيارات على قلّتها، بحسب وصف بريمة.

وكما هو الحال وفق مجريات المعارك العسكرية بإقليم كردفان، تحوّل سكّان المنطقة إلى نازحين يعتمدون على الطعام في التكايا الخيرية بمدينة الأبيّض.

ويصف هارون آدم، من سكّان أم صميمة، ما حدث بـ«الكارثة»، ويقول لمراسل «أتَـر»: «كنا على وشك الشروع في الزراعة، لكن فوجئنا بالهجوم الدامي على المنطقة، وهو ما تسبّب في بعثرة خطط السكّان وتدمير ممتلكاتهم وحرق محاصيلهم ونهب ماشيتهم وتشريدهم».

وقد قُتِل عددٌ من السكّان في الهجوم، وأصيب العشرات. وتحوّلت المنطقة إلى خطّ مواجهة لم يُحسم لمصلحة أيّ طرف حتى الآن، لذا استحال حصر أعداد الضحايا وفقاً لهارون، الذي قال لـمراسل «أتَـر» إنّ هجوم الدعم السريع كان خاطفاً على المنطقة، وقد غادرت بعد المعركة، وما تبقى من قوةٍ داخل أم صِميمة لغرض النهب والسرقة قضت عليها قوة أخرى من الحركات المسلّحة التي تقاتل إلى جانب الجيش، وبعد المعركة الثانية ضدّ الحركات المسلحة، لم تُقَم أي ارتكازات عسكرية.

أم هِجيلِيجة: النهب المسلّح يعكّر صفو الزراعة والتجارة

شمال كردفان – ساعتان كانتا كافيتين لتأريق مضاجع مواطني قرى شمال الأبيض، التي شهدت هجوماً شنّته قوات الدعم السريع في الثلاثين من يونيو الماضي، بعد هجوم على قرية أم هجيليجة أولاد وِنِيس الواقعة في الاتجاه الشمالي من مدينة الأبيّض، وتبعد حوالي 50 كيلومتراً منها، و45 كيلومتراً من مدينة بارا. وتتبع لمحلية شيكان بولاية شمال كردفان، وتُعدّ المصدر الرئيس لتوفير السلع والمواد الغذائية للقرى المجاورة لها؛ نظراً لموقعها الاستراتيجي وسط تلك القرى.

متحدّثاً لمراسل «أتَـر»، يصف أحمد محمود الأوضاع الحالية بالمستقرّة نسبياً، إلا من ذلك الهجوم الذي شهدته القرية من قِبل ثلاث سيارات دفع رباعي، تابعة لقوات الدعم السريع، وهجوم آخر على القرى المحيطة بمدينة بارا. تسلّلت هذه القوة إلى سوق القرية بحُجّة جمع السلاح لدى المواطنين، وقبل ذلك تعرّضت لمواطِنَيْن بقرية مبروكة المجاورة لقرية أم هجيليجة، ونهبت ما يملكان.

حاصرت القوة السوق، وألقت القبض على مواطِنَيْن آخرين وأجبرتهما على تسليم سلاحَي كلاشنكوف كانا يحملانهما، مع فرض غرامة بلغت 10 ملايين جنيه. وبعد تدخّل ابن شيخ القرية، الصادق يونس، اقتنع قائد القوة بتخفيض المبلغ إلى 4 ملايين جنيه، شريطة مُصادرة السلاحَيْن، أو اتخاذ ما سمّاها بـ«إجراءات أخرى». بعد عنَتٍ كبير، تمكَّن أهل القرية من جمع مبلغ 3.5 مليون، حملها قائد القوة وغادر القرية.

وكان ابن شيخ القرية قد وافق على جمع السلاح، واشترط على قوات الدعم السريع أن تجمع السلاح المحمول فقط، دون أن البحث في البيوت أو عن الأسلحة المحمولة على الجمال، فالأسلحة بالنسبة لهم أدوات لحراسة الزراعة والماشية والأعراض. ويبلغ سعر القطعة الواحدة منها مليوناً وخمسمائة ألف جنيه.

أثناء النقاش بين الصادق وقائد القوة، كان أفراد القوة الآخرين يتجوّلون في السوق وينهبون مقتنيات كل من يقابلهم من المواطنين، من هواتف وأموال وغيرهما، دون أن يتعرّضوا لأي من التجّار بالنهب أو أي نوع من المضايقة.

وبحسب شاهد عيان من قرية الربوة القريبة من أم هجيليجة، فإنّ السيارات الثلاث تعرّضت لهجوم من قبل القوات المشتركة بعد مغادرتها أم هجيليجة، فأُحرقت إحداها بمن فيها وما فيها من عتاد وأفراد، واستولت على السيارتين الأخريَين، بعد قتل من كانوا على متنها.

على منحى آخر، قال المزارع علي فضل، إنّ الموسم الزراعي أطلّ عليهم بكلّ خير، إلا أنّ الوضع الأمني غير مستتبّ، ويَتخوَّف مُلّاك الوابورات من حراثة الأرض، بسبب تدنّي الحالة الاقتصادية؛ التي وصفها بالمُزرية. وأضاف لمراسل «أتَـر»: «لقد تعبنا، ونحتاج للإغاثات؛ التي من شأنها أن تساعدنا في الموسم الزراعي، فالمزارعون في حالة يُرثى لها».

وارتفعت أسعار الوقود في القرية، إذ يتراوح سعر جركانة الجاز ما بين 120 إلى 150 ألف جنيه. وبلغت تكلفة حراثة المخمَّس 60 ألف جنيه، فضلاً عن تكاليف بقية العمليات التحضيرية للزراعة.

بينما قال التاجر مزمل، إنّ أسعار السلع تتباين حسب المنطقة المجلوبة منها، إذ كانوا يأتون بالسلع من مدينة الدبّة عبر طريق قرية أم كريدم وصولاً إلى غرب السودان، إلا أنّ حركة البضائع عبر هذا الطريق باتت محفوفة بالمخاطر بسبب قطّاع الطريق وقوات الدعم السريع، بحسب ما أخبر مراسل «أتَـر»، ما اضطرّهم إلى استجلاب البضائع من مدينة الأبيّض، على الرغم من أن الوضع الأمني غير مستقرّ، وكثيراً ما تتعرّض قوافل التجّار إلى النهب، ولم ينجُ مزمل بدَوره، فقد سلبته قوات الدعم السريع عربةً مُحمّلة بالبضائع.

Exit mobile version