دعوات لإعادة ضبط مسار التطبيع مع السودان وسط حرب أهلية وشرخ داخلي

الأحداث – وكالات
وسط تصاعد وتيرة الحرب الأهلية في السودان، وتعاظم الانقسامات السياسية والقبلية والعسكرية، تزايدت الدعوات داخل الدوائر الإسرائيلية والغربية لإعادة النظر في مسار اتفاقيات التطبيع مع الخرطوم، والتي وُقّعت في إطار اتفاقيات أبراهام عام 2021. ويرى مراقبون أن تلك الاتفاقيات أُبرمت على أرضية سياسية “مكسورة”، ما يجعل من الصعب ترجمتها إلى نتائج ملموسة على الأرض.
الكاتب والمحلل السياسي غافين سيركن، وفي مقال نشرته صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، اعتبر أن التطبيع مع السودان لا يمكن أن يصمد أو يثمر في ظل الوضع الحالي الذي تعيشه البلاد، حيث تنهار مؤسسات الدولة، ويتنازع على السلطة جيشان، وتغيب القيادة السياسية الموحدة.
وقال سيركن: “توقيع الاتفاق كان كمن يزرع شجرة في صحراء دون ماء أو تربة، ثم يتساءل لماذا لم تُثمر.”
اتفاقات أبراهام.. صفقة بلا شعب
في يناير 2021، وقع السودان على اتفاق تطبيع مع إسرائيل، في خطوة كانت تُعتبر تحولًا كبيرًا في توجهات دولة كانت لوقت طويل جزءًا من محور الرفض العربي. غير أن هذه الخطوة تمت، وفقًا لسيركن، ضمن سياق انتقال سياسي هش، وبضغط من أطراف إقليمية أبرزها الإمارات العربية المتحدة، وبدون إشراك فعلي للقوى السياسية والاجتماعية الفاعلة في البلاد.
ويشير المقال إلى أن الاتفاق جرى بين إسرائيل وحكومة انتقالية محدودة الصلاحيات، كانت تعاني من عزلة داخلية وشُح في الدعم الشعبي، ولم تكن تملك سلطة حقيقية على مفاصل الدولة. وبذلك، تم عزل قوى رئيسية مثل الجيش، والحركات المسلحة، والتيارات الإسلامية، والقبائل الكبرى، من مسار التطبيع.
نفوذ إماراتي على حساب السيادة السودانية
يلقي التقرير الضوء على الدور الإماراتي المؤثر في هذا الاتفاق، مشيرًا إلى أن أبوظبي استخدمت نفوذها المالي والسياسي لتمرير التطبيع، كجزء من مشروعها لتوسيع نفوذها الإقليمي في شرق إفريقيا، وليس من منطلق مصالح سودانية خالصة.
وقد أدى ذلك إلى انكشاف اتفاق التطبيع داخليًا، حيث اعتبرته شرائح واسعة من السودانيين “صفقة مفروضة من الخارج”، مما أفقده أي قيمة رمزية أو سياسية يمكن البناء عليها.
التطبيع مع دولة منهارة؟
في ظل الحرب المستعرة منذ أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، يتساءل سيركن: كيف يمكن الحديث عن تطبيع مع بلد لا توجد فيه حكومة مركزية؟
الوضع في السودان اليوم هو حالة من الانهيار شبه الكامل؛ العاصمة مقسمة، ملايين النازحين في الداخل والخارج، والمجتمع الدولي منقسم حول سبل الحل. في ظل هذه الظروف، فإن استمرار الترويج لاتفاق أبراهام كما هو يبدو أشبه بالتمسك بوهم.
ويحذر الكاتب من أن إسرائيل، بدلًا من أن تجني ثمار الاتفاق، قد تجد نفسها في مرمى الغضب الشعبي، أو ضحية لصراع سياسي داخلي لا شأن لها به.
الدعوة إلى “إعادة الضبط”
يرى الكاتب أن الفرصة لا تزال قائمة لإعادة هندسة المسار، عبر ما سماه بـ “إعادة ضبط الاتفاقيات”، والتي تشمل:
•بناء توافق وطني سوداني داخلي حول العلاقة مع إسرائيل.
•إشراك كل القوى الفاعلة: من الإسلاميين إلى الجيش إلى الحركات المسلحة والمجتمع المدني.
•تجاوز الهيمنة الخارجية، وجعل التطبيع قرارًا سودانيًا خالصًا.
نافذة أمل أم عبء استراتيجي؟
يشير التقرير إلى أن بعض التطورات قد تفتح نافذة للحل، مثل صعود بعض القادة العسكريين الذين يحظون باعتراف غربي، وتنامي الوعي الشعبي بضرورة إنهاء الحرب. لكنه يخلص إلى أن استمرار تجاهل الواقع السوداني المعقد، ومحاولة فرض اتفاقات خارجية عليه، لن يؤدي إلا إلى مزيد من العنف والانقسام.
ويختم الكاتب مقاله بالتحذير:
“إذا لم تُصحّح المسارات، فإن اتفاق السودان مع إسرائيل قد يتحول من فرصة للتقارب، إلى درس قاسٍ في الفشل الدبلوماسي.”
Exit mobile version