الأحداث – عبدالباسط إدريس
دعا القيادي البارز بالحركة الإسلامية د.أمين حسن عمر، لأجل حل شامل لأزمة البلاد والحوار مع اليسار العريض، وأثنى على موقفي عبدالواحد نور وعبدالعزيز الحلو من الحرب على المليشيا، فما دلالات الدعوة وتوقيتها ولماذا خرجت منه تحديداً وهل ستمهد لخطوة سياسية مقبلة.
حديث أمين :
وقال أمين حسن عمر لقناة الجزيرة إنه يرى أفقاً لتسوية سياسية مع كل القوى السياسية السودانية، ولكن ليس هناك أفق لتسوية مع المليشيا، مشدداً على أنه لن يكون هناك استقرار في السودان من دون وحدة وطنية وتسوية شاملة واجتماع السودانيين في سوادهم الأعظم لبناء البلد. وأضاف “لا يمكن لفصيل واحد أن يبني البلد وإن كان هو صاحب الأغلبية”.
وأوضح أمين في حديثه لبرنامج “أثير”، على بودكاست لقناة الجزيرة، أنه يمكن للحركة الإسلامية السودانية الجلوس مع الحرية والتغيير، ومع التيار اليساري الواسع، وقال “ولكن ليس الجلوس مع المجموعة الصغيرة التي تُسمّى المجلس المركزي، وهي نخبة قليلة عميلة، أنا أتحدث عن الجلوس مع التيار اليساري عامة في السودان والتيار المخالف للإسلاميين، وهو تيار أوسع.. الآن المتمردون على الدولة؛ ناس عبدالواحد محمد نور يقاتلون في الفاشر بجانب الجيش، لماذا يحدث هذا؟ لأننا كنا نتقاتل على قضية، الآن كل البلد أصبحت في خطر، الآن 80% من الحركات المسلحة تقاتل مع الجيش، وهذا دليلٌ على أنّ الناس كانت تقاتل لأنهم اختلفوا في الفروع؛ الآن شعروا أن الخطر على الأصول نفسها، أصل البلد أصبح في خطر”.
وكشف أنّ الحركة الإسلامية اتخذت قراراً بعدم المشاركة في أي منصب مدني أو عسكري إلا من خلال الانتخابات، وقال: “المشكلة كانت ليست في أننا خسرنا السلطة، بل خسرنا الرأي العام، وبعد مضي 5 سنوات من الغضب على الإسلاميين زال الغضب، لأننا الآن في طليعة الحركة الوطنية بسبب مشاركتنا في القتال والدفاع عن البلد في مرحلة مصيرية”.
وأردف “من ظنّ أنّ هذه المليشيا سودانية هو لا يعرف الحقائق، المليشيا هدفها هدم الدولة.. والمليشيا مطواعة لما يريد الخارج لها أن تفعل”.
ماوراء الحديث:
حديث أمين عمر الذي يتسق مع ما أدلى به القيادي والوزير بالنظام الأسبق إبراهيم غندور، يدل على أن الحركة الإسلامية قررت الدفع بأهم قياداتها إلى الساحة السياسية، فالحركة وحزبها المحلول وبعد أن كانت إلى وقت غريب واقعة تحت ضغط جماهيري وخارجي كثيف ولاستهداف ممنهج من قبل السلطة الانتقالية بعد الثورة والتغيير، للإجهاز عليها، ربما تريد القول إن حملات التضييق التي تعرضت لها لم تؤثر على بنائها ووحدة عضويتها ولم تحدث أي تجريف في وجودها العميق بالتربة السودانية، ومن هذه النقطة وبخروج أمين حسن عمر المعروف بقدرته على الغوص في أعماق الأزمة والخروج بأضيق فرص حلها، فإن ثمة رسالة تود إيداعها في بريد الخارج المتربص بها مفادها أنها حركة سنية جماهيربة عصية على الاستهداف والتصفية وأنها ماتزال تمتلك زمام التأثير بعمق في مجريات الأحداث السياسية في الحاضر والمستقبل القريب على الأقل.
هل حوار متكافئ؟
بينما قصد أمين كأحد أبرز الذين يجلسون على كابينة إدارة الصراع أن يدعو لتسوية شاملة وحوار مع اليسار العريض في هذا التوقيت كعامل مهم لنجاح الحوار وربما رأى أن الظرف موائم في ظل نضوج الظرف الوطني العام المشجع للانخراط في تسوية شاملة تتوج بتوافق وطني أوسع، فالفرص الآن تبدو متساوية، فالحركة الإسلامية وحزبها المحلول من وجهة نظر خصومها فقدت السلطة بثورة شعبية اقتلعت نظامها ومن ناحيتها فإنها خارج السلطة بانقلاب على شرعيتها ولكنها لاتزال حاضرة، أما أحزاب مواثيق قحت وسلطة الشعب وحتى تقدم فهي الآن خارج السلطة بعد أن أطاح بها الجيش في الخامس والعشرين من أكتوبر، الأمر الآخر الأكثر أهمية هو تلقي جميع الأطراف السياسية المتخاصمة لرسالة الجيش الذي قطع على لسان قائده العام الجنرال الفريق أول البرهان بعدم العودة لما قبل الإنقاذ أو قحت أو الخامس عشر من أبريل، فضلاً ما كشف عنه مساعد قائد الجيش الفريق أول ياسر العطا من أن المرحلة المقبلة ستكون تأسيسية ومن غير مشاركة الأحزاب السياسية، فالجميع الآن خارج أروقة الحكم والحكومة، ويبدو أن هذا هو السياق العام والمؤشر الأهم لدلالات طرح د. أمين الدعوة للتسوية والحوار.
أسس التسوية وقضايا الحوار:
يقول القيادي في حزب البعث العربي الاشتراكي الأصل، محمد ضياء الدين في رده على سؤال (الأحداث) حول دعوة أمين عمر للتسوية والحوار بقوله” أعتقد أن د. أمين لا يتحدث هنا بإسم الحركة الإسلامية فلقد استخدم الرجل عبارات ذات دلالات واضحة (أنا أرى/أنا أتحدث). كلها إشارات تعبر عن رأي شخصي، أرجو أن لا يكون الغرض هو جس نبض بدعوة (مراكبية).
وقال “إذا كانت الحركة الإسلامية جادة فعلاً في التوجه نحو حوار مع اليسار (والله أعلم) فعليها أن تتقدم فعلاً، حينها يمكن أن تأتي الإجابة من اليسار أو غيره من القوى الوطنية المستهدفة بالحوار بمقدار ما يمكن أن يحكم به على الدعوة بعد قراءة مضمونها وأهدافها. ولكل مقام مقال.
نبرة إقصائية:
يقول القيادي البارز بجبهة “تقدم”، عروة الصادق ل(الأحداث) إن من الضروري الاعتراف بأهمية تعزيز روح التسامح والاحترام المتبادل بين الأطراف المختلفة وصولاً للحل السياسي الشامل، وتشجيع الحوار البناء القائم على عدالة الفرص والنقاش والاستدلال بالأدلة (قوة المنطق) لا (منطق القوة)، بدلاً من اللجوء إلى الإقصاء والتطرف والعنف وخطابات الكراهية، ويمكن للتنوع الفكري والثقافي والسياسي في السودان أن يثري النقاش ويسهم في وضع سياسات شاملة ومتوازنة لمصلحة المجتمع بأسره، في ظل اعتراف متبادل لا نبرات استعلائية اقصائية كالتي ينادي بها أمين، واصفاً حديث الأخير بأنه، نتاج لتلاقي مؤقت للأيدلوجيات المتضادة مثل اليمين واليسار وهو تلاقي رغائبي لا علاقة له بهموم المواطنين والوطن ويمكن أن يكون له تأثير سلبي على الحوار العام والسياسي في المجتمع وفي مستقبل الحياة السياسية، وأضاف “يمكن للبراغماتية والانتهازية السياسية أن تدفع كل طرف نحو تبني مواقف متطرفة بهدف إقصاء التيارات المتزنة (كتقدم أو الحرية والتغيير)، وعندما يتم التركيز بشكل كبير على إثبات تفوق تحالف (التيار الأيدولوجي يمين ويسار) وجودة الفكرة الخاصة بطرف هؤلاء على حساب الآخر، فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى تعميق الانقسامات وتعكير صفو الحوار العام المنشود”، ويتمسك عروة بأنه لا مجال لدخول التيار الإخواني وخاصة مجموعة الوطني وحزبه المحلول وواجهاته إلى أي معادلة سياسية سلمية لذلك اختاروا قطع طريق الثورة بسلسلة انقلابات حينما أجهض بعضها لجأوا للحرب، وهو خيار العاجزين، الذين يرون أن المستقبل تجاوزهم وسيرزحون في قاع التاريخ ما لم يراجعوا أفكارهم وممارستهم ويعتذروا عن فظاعاتهم وجرائمهم ويلتزمون بالمثول أمام العدالة وعدم تمكين مجرميهم من الإفلات من العقاب.
والتقليل من مجموعة المركزي أو قوى “تقدم” -وفقاً لعروة-
هو حجة كل متسلط ومستبد، لأن هذه الكتلة ليست كيانات وإنما تحالف لتحالفات سياسية وفئوية ومهنية وقطاعية.
ويضيف: “كل هذا لا يعني أن هذا الجسم يمثل الأغلبية ولا يدعي ممثلوه هذا الادعاء ولكن له ما يؤهله من المشاركة في رسم ملامح مستقبل السودان نضالياً وسياسياً وفعالية ووجود على الأرض في السودان”. وأردف “ولا يمكن لكائن من كان أن يستثنيه لذلك يجتهد قادته لإنهاء الحرب وفتح أبواب الوساطات لانهائها فيما ينشط د. أمين ومجموعته لتسعير نيرانها كي يختفوا ويخفوا جرائمهم تحت دخانها ويمارسوا إقصاء الخصوم بقوة القهر وسلطة الحديد والنار”.
الشيوعى يرد:
يقول عضو اللجنة المركزية بالحزب الشيوعى كمال كرار ل(الأحداث) إن أمين حسن عمر وحزبه أسقطهم الشعب في ثورته المشهودة، والمؤتمر الوطني ارتكب المجازر والجرائم في حق الشعب والوطن، بالإضافة للنهب والفساد، وأضاف “وللأسف فالحكومة الانتقالية فيما بعد الثورة لم تتخذ خطوات جادة تجاه هذا الملف، وبالنسبة لنا فإن المؤتمر الوطني سقط ولا مكان له في المشهد الانتقالي، كما أنه طرف أصيل في هذه الحرب اللعينة، وعليه فلا نلقي بالاً لحديث منسوبيه، ولا تسوية مع الفلول والقتلة والانقلابيين، والثورة تتقدم بثبات نحو انتصارها المشهود”.
صراع يمين ويسار:
أستاذ العلوم السياسية د. هشام محمد أحمد قال إن للصراع السياسي في السودان أسباب عديدة ولكن أهمها هو
الدائر بين قوى اليمين واليسار، ويعتقد هشام، أن هذا الصراع ليس وليد برامج تنافسية متعلقة بالبرامج ولكنه حول قضايا أساسية كان لها أن تحسم منذ وقت طويل وعلى رأسها علاقة الدين والدولة والهوية، مشيراًِ إلى أن نجاح أي حوار بين الإسلاميين وقوى اليسار يجب ان يقوم على أساس معالجة هذه القضايا، داعياً لأخذ المواقف الناتجة عنه من كل طرف كأطر دستورية تؤدي لصياغة دستور دائم بمبادئ فوق الدستورية تكون ملزمة.