رأي

دارفور.. بوابة السودان الغربية

محمد الشيخ حسين

كانت مدينة الفاشر في غرب السودان على موعد مع المطر حين هبطت بنا طائرة الفوكرز الجديدة في مطار المدينة الذي شيده المستعمرون البريطانيون ابان الحرب العالمية الثانية ورحل الانجليز وبقي مطار الفاشر دليلا علي قلة الخيال وكثرة البخل عند الذين شيدوه!!

يمثل اقليم دارفور خمس مساحة السودان ويجاور ثلاث دول هي ليبيا وتشاد وافريقيا الوسطي، وتسكنه 86 قبيلة موزعة حسب التقسيم الجغرافي للاقليم ما بين سافنا غنية وفقيرة والصحراء.

طبيعة المكان لا تسمح بإعادة قراءة الأحداث التي ظلت كالكلمات المتقاطعة تصعب قراءتها وهي ناقصة الأحرف، إلا باجتهاد شديد. صحيح أن التاريخ السياسي ينشئ الدول، ولكنه لا يصنع الشعوب.

وقد خدع الكثيرون بالكينونة السياسية التي اكتسبتها دارفور فاعتبروها وفقا لهذا، كائنا ذا خصائص حضارية متسقة له شخصية قومية وإقليمية. وقادت العوامل السياسية الوطنية منها أبان الاستعمار والعنصرية والإقليمية منها في عهد الاستقلال إلى تبسيط الفوارق المحلية وتضخيم الأثر التاريخي للاستقلال السياسي لدارفور بغرض تشكيل قومية أرادها الوطنيون مرتبطة بالتراب السوداني على اختلاف ألوانه وأرادها العنصريون الإقليميون مشدودة للوطن الأصغر حسب ما عرضه التاريخ، ولكن لا هؤلاء ولا أولئك أصابوا كبد الحقيقة رغم صدق المشاعر عند الجميع.

العصابات التي تكونت من الفلول التي خرجت من المعارك التي وقعت في تشاد وتسلحت ولم يكن لديها ما تعيش عليه فمارست النهب للعيش.

غير أن سياسيين آخرين يرون أن النهب المسلح بدأته قوات من الفيلق الإسلامي التابع لليبيا كانت موجودة في دارفور تسعى لاستقطاب القبائل بالإرهاب وتتجه إلى فرض وجودها العسكري في المنطقة سعيا لتحويل المنطقة المتاخمة لحدود تشاد إلى (منطقة عازلة) عن الحياد السوداني المعلن في الصراع التشادي ـ التشادي.

الأحرف الأفقية في شبكة دارفور المتقاطعة تحمل نذر الخطر فبعد أن توقف الصراع بين العرب والفور بعد مؤتمر الصلح الأخير ووعود الحكومة السودانية بتهيئة أسباب الأمن والاستقرار في المنطقة تبدو نذر الخطر هذه في وجود قوات المعارضة التشادية البالغ عددها ما بين أربعة إلى ستة آلاف مسلح والمعلومات المتوفرة تقول إنها متمركزة في الشريط الحدودي الممتد من وادي صالح إلى أم دافوق، ولعل هذه الإقامة غير الطيبة دفعت السفير الأمريكي في الخرطوم إلى القيام بزيارة خاطفة بطائرته الخاصة إلى دارفور خلال الأسبوع الثاني من شهر سبتمبر الجاري ليقف بنفسه علي حقيقة الأوضاع.

وهذه القوات هي قوات حسن جاموس وزير دفاع حسين هبري الذي انشق عنه محاولا الاستيلاء على السلطة. ولقي جاموس حتفه بعد فشل انقلابه وتولي قيادته إدريس دبي الذي تربطه بالصادق المهدي صلات وثيقة دفعته إلى زيارة الخرطوم سرا في مايو الماضي، لترتيب الحال، ولكن المهدي ذهب إلى السجن وبقيت القوات على الحدود في انتظار مصيرها بعد أن طلبت الحكومة السودانية من إدريس دبي إجلاء قواته عن أراضيها وحشدت تشاد جيشها علي الحدود استعدادا لصد أي هجوم متوقع من القوات المنشقة.

الحروف الناقصة في شبكة كلمات دارفور المتقاطعة، بوابة السودان الغربية، وعناصر فهمها متشابكة ومعقدة. وكل الخوف أن ترتطم حبات المطر الذي رأيته يهطل برقة متناهية في دارفور بزخات الرصاص المتوقع انهمارها من أطراف الصراع المتنافرة في أي لحظة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى