عقيد بحري ركن م. دكتور :
أسامة محمد عبدالرحيم
أكثر من عام مر على اندلاع الحرب اللعينة في بلادنا السودان، ولا يزال لا أحد يعرف أو يتنبأ بالضبط متى ستنتهي الحرب وإلى ماذا ستنتهي، عام ويزيد وكل صنوف المعاناة والعذاب قد تجرعها كل الشعب السوداني دون استثناء في واحدة من أبشع وأقذر صور الحروب في تاريخ السودان والعالم قاطبة.
إن تطاول أمد الحرب يلقي علينا أن نورد بعض الرؤى علها تسهم في تثبيت الأقدام وتسديد الخُطى نحو نصر قريب نهفو إليه ونتمناه.
إن إعادة إحكام تقدير الموقف الاستراتيجي للدولة في ظل المعركة أمر محمود ومطلوب وهو ما يولد جملة من القرارات والتوجيهات ويرسم خطة المرحلة وخطوط إدارتها عسكريا وسياسيا ويضع ملامح جديدة استنفارا شعبيا مخدوما وتعبئة وطوارئ وليس انتهاء بتشكيل حكومة حرب أو سلطة أزمة، كل ذلك يقطع الطريق أمام المتربصين المحليين والدوليين و يهيء الجميع لأي تطورات متوقعة أو تدخل أجنبي خشن.
وعليه يجب ألا تشغلنا يوميات المعركة عن التخطيط الاستراتيجي لإدارة الدولة والعمليات العسكرية، ويجب كذلك ألا نكون صدىً وردة فعل لتحركات العدو المنتظمة وغير المنتظمة وما تفرزه من واقع يخرب حياة الناس، ويحيل معيشتهم إلى ضنك مزمن.
إن تقصير أمد الحرب ومن ثم إنهاءها بنصر وفوز شيء لا بد منه، لكن ذلك أمر لا يمكن الوصول إليه إلا بالتفكير المستمر والدراسة المستدامة لمسيرة المعركة وإخضاع الأسباب والنتائج وكذلك الملاحظات والآثار للتحليل العميق توطئة لاتخاذ العلاج الناجع والحاسم من قرارات وتوجيهات وخطط حتى وإن كان العلاج مرا في بعض الأحيان لأن دون ذلك قد يفقدنا الوطن نفسه، ويقضي على وجوده وكيانه.وعلى العكس من ذلك نجد أن إطالة أمد الحرب يعد أمر غير محمود، ويفرز من الآثار والنتائج ما لا يريده أو ينتظره أحد ويصعب من الحلول، كما أن العلاج لا يتأتى بالهتاف والخواطر من أحاديث المسؤولين عند كل محفل وأمام كل جمع من الناس قيادة للمجتمع بالعواطف دون فعلٍ موجبٍ على الأرض.
وبعد مرور عام وربع العام من عمر معركة الكرامة (حرب 15 أبريل) ، نقول إن المعركة يجب أن يعاد تصميمها، وفي كل مستوياتها (الاستراتيجية والعملياتية والتعبوية) من قبل اختصاصي ماهر في رسم العمليات العسكرية، ويجب أن يوكل أمر تنفيذ ما خطط له لأهل الشأن من سحرة الحرب ودهاقنتها، قادة الجيش الخلص الأوفياء ومن خلفهم الجند الذين يسدون عين الشمس بسالة وجسارة وفداء، جند ظلنا نجدهم عند كل صيحة حرب وعند كل هيعة قتال، وفي كل ملمة عدوان، ما قصروا في أداء جليل مهامهم، ولا تقاصروا دون عظيم هاماتهم، قدموا ويقدمون كل ما رخص عندهم وما غلا دون تردد أو استبطاء.
لقد آن الأوان لتغير الاستراتيجية العسكرية للقتال من التحصن والدفاع إلى التقدم والهجوم بكل صقع ووادي، وبكل حضر وبادية، وبكل قرية ومدينة، وبكل شارع ودرب وبكل سهل حصارا للعدو خنقا لعنقه وكتما لأنفاسه وشل قدرته على الحركة والفعل.
إن أهم ما يجب أن تتسم به معركتنا القادمة شرطاً وضرورة أن تكون (شاملة متكاملة متزامنة) في كل اتجاه وموقع، وأن تكون حركاتها متوالية ومتوازية وأن تكون متحركاتها برية وجوية وبحرية نهرية تستخدم فيها كل آلة الحرب وعدتها، كذلك يجب أن تكون حربا هجينا مدمجة تُحقن وتُغذى بدماء الشباب والقادرين من أبناء شعبي، مقاومة شعبية مسلحة بالبنادق وموشحة بالبيارق ومدعومة بالسند الإعلامي الوطني الحق الذي لا شبهة فيه ولا رياء ولا نفاق.
كذلك أن معركتنا المقبلة، وفي مرحلتها القادمة، تفرض على قادة البلاد ضرورة أن يستحثون في نفرتها كل حليف إقليمي أو دولي إمدادا ومعاونة بما يخدم تصميم المعركةBattle design( الجديد) ، ومما يجعل جيشنا قادرا على التماهي ومسايرة فعالياتها وتغيراتها الميدانية وتفاصيل كرِّها وفرِّها اليومية واللحظية دون أن تفقد قصدها سواء إن كان قصدا سياسيا أو كان قصدا عسكريا، وعلة أن (المحافظة على الهدف/القصد) يعتبر مبدأ أساسي من مبادئ الحرب التي أوردها المفكرون العسكريون، وعلى رأسهم كل من المفكر والخبير العسكري الصيني صن تزو والمفكر الاستراتيجي الجنرال البروسي كارل فون كلاوزفيتز.
ولذلك يجب أن يشمل هذا السند والدعم من الحلفاء الاستراتيجيين، رفع قدرات الجيش وإمكاناته بما يجعله قادرا على قطع إمداد العدو في متحركاته بكل مواقع القتال وما يجعله كذلك فاعل في تجفيف منابع هذا الإمداد وتدمير أماكن التحشيد حتى خارج حدود البلاد تحت ذريعة رد العدوان وردع المشاركين في إشعال الحرب من مساندي العدو، ومن باب الاحتفاظ بالحق في الدفاع عن النفس والوطن.
إن الطرق المتواصل بشتى الأدوات ومختلف الوسائل على معدن الجيش وعظمه تضييقا وإيذاء وتواليه بالمعارك والحروب من قبل أعداء الوطن في الداخل والخارج وعلى مختلف الحقب، أنتج جيشا صعب المراس قوي الشكيمة طويل الصبر، كذلك أن الضغط المستمر، وتكاثر التآمر عليه جعل منه جسدا متماسكا قادرا على تجاوز الصعاب ومواجهة التحديات، عمليا لقد حصلنا على نسخة محدثة ( منقحة ومزيدة) من جيش السودان متطورة وقابلة للتمدد تحسنا وإصلاحا عكس ما كان يرمون. حيث كانوا يهدفون لتفكيك وإزالة المؤسسات العسكرية والأمنية تحت شعارات الإصلاح الكذوبة، فكان نعم الإصلاح لجيشنا بفعل الفتنة والابتلاء وعظم التآمر.
إن من يستوجب الإصلاح حقا، ليس من تسارعت خطاه، وسالت دماؤه، و تقافزت نفسه ملبيا نداء وطنه حامياً لشعبه وصائناً لعرضه وأرضه ومكتسبات شعبه، إنما يستحق ذلك من أرخى أذنه واستكان قلبه وعقله لهمس شياطين الإنس والجنس أفرادا ومؤسسات إقليمية ودولية وهي تلبس الحق بالباطل، وتكثر من مساحيق التجميل على وجهها، فما غطى كل ذلك سوءاتها، ولا أخفي عيوب وجهها القبيح، تريد بنا وبشعبنا الخراب والدمار مستغلة ظهور (بَهَمٍ ودوابٍ) سودانية من فصيلة العملاء والمتآمرين ارتضت لنفسها الخزي والعار وارتسمت بالفضيحة والشنار.أن من يحتاج الإصلاح ليس من أدرك واجباته ومهامه الوطنية وعمل لها بكل إخلاص وضمير حي، وبذل في سبيل ذلك كل غالي ونفيس، إنما يحتاجه من أفنى عمره، وسخر وقته وجهده حاملا أجندة الغير الخبيثة طمعا في مقعد سلطان أو طلبا لدرهم و دولار على حساب حياة بني وطنه وشعبه. أن من يؤيد أو يسكت عن الباطل طمعا في مال أو منصب موعود به من واجهات الاستعمار الجديدة لا مكان له في سودان الغد.
ونقول ختاما للسيد القائد العام للقوات المسلحة،إن أمامك أعظم فرصة لدخول التاريخ واستعادة جغرافيا الوطن الممزق بالصراعات والحروب والذي تباعدت وتوزعت أطرافه بسبب انتشار التمرد وأمامك كذلك الفرصة لإعادة الوعي الشعبي والوحدة الوطنية المُخَلَّصَة من كل غبنٍ وضغينة، وأن تعيد للمواطن أخلاقه وقيمه ضميره، بل أمامك ألف فرصة لتعيد كتابة تاريخ السودان بقلم من ذهب وحروف من مداد العزة والكرامة. لقد صبر الشعب والجيش معا عليكم، وعلى قيادتكم للدولة وللقوات المسلحة، ولا يزالان (الشعب والجيش) يمنحانكم الفرصة دعما وسندا وثقة، لذا فلا يستحقان إلا نصرا عزيزا كريما يجازي ما قدماه من صبر وتضحية وفداء.
19 مايو 2024