خذ الكتاب بقوة يا ريس… تعليقاً على مقال الأستاذ الباز “دايتون السودان”

د. عبدالعزيز الزبير باشا
قرأتُ باهتمام بالغ ما خطّه الكاتب الأستاذ عادل الباز في الحلقة الأولى من مقاله المنشور (الأثنين) بعنوان: “دايتون السودان: خارطة الطريق إلى سلام مفروض؟”، وقد اجتهد فيه في تفكيك مشهد التحركات الدولية الأخيرة بشأن الأزمة السودانية. غير أن المقال، برغم عمق بعض ملاحظاته، جنح في رأيي إلى تحميل الخارج وحده كامل المسؤولية عما سيحدث في السودان، وتجاهل حقائق الواقع السياسي المعقّد، داخليًا وإقليميا.
دعونا نكون واضحين منذ البداية: كل تدخل خارجي يجد طريقه حين يغيب القرار الوطني الموحد. ما نراه اليوم من تحركات رباعية أو سداسية، ما كان لها أن تُحدّد مصير السودان، لولا حالة التراخي المؤسسي والانقسام السياسي الداخلي، الذي أتاح المجال لأن تُصاغ تسويات في الخارج بينما صناع القرار الحقيقيين في الداخل يغطّون في سبات عميق.
إن الرباعية الموسعة التي تضم الولايات المتحدة، مصر، السعودية، والإمارات، ليست وصيًا سياسيًا جديدًا، وإنما تعبير عن موازين قوى ومصالح أمنية مشروعة بالنسبة لهذه الدول. مصر معنية بأمنها المائي والحدودي، السعودية تراقب الفوضى على البحر الأحمر، والولايات المتحدة تحاول سدّ الفراغ أمام التمدد الروسي والصيني.
لكن هذا كله لا يعني أننا في موقع الخضوع. بل بالعكس، هذا التداخل يمكن أن يُحوَّل إلى ورقة تفاوضية، لو كنا نملك مشروعًا وطنيًا نابعًا من مركز قرار سوداني قوي ومستقل.
مقارنة الوضع السوداني باتفاق دايتون (1995) الذي أنهى الحرب في البوسنة تحمل قدرًا من المبالغة. اتفاق دايتون جاء بعد انهيار كامل للدولة، وسط تدخل عسكري مباشر. أما في السودان، فلدينا جيش موحد، وشعب يقف خلف مؤسساته، وتمرد لفظ الشعب قادته، وتحركه أجندات إقليمية مكشوفة.
وإذا كانت بعض مراكز الأبحاث في واشنطن، كمعهد سياسات الشرق الأدنى، تطرح تصورًا لمعادلة سلام مفروضة، فالسؤال الحقيقي هو: هل نملك نحن أدوات القرار والرد؟
نعم، هناك طبخة تُعد… فلنُفشلها
من المؤكد أن هناك أطرافًا خارجية تحاول فرض “إطاري معدّل ” على السودان، بنفس أدوات الضغط القديمة: العقوبات، العزل، والإغراء بالشرعية الدولية. لكن الرد على ذلك ليس بالاستسلام أو الصراخ، بل ببناء جبهة داخلية صلبة، وإعادة الاعتبار للمؤسسات الوطنية، وتطهير القرار السوداني من الاختراقات.
لا نريد أن نكرر خطيئة اتفاقيات فرضت علينا من قبل فمزّقت الوطن. لكننا لن نسمح أيضًا بإضاعة الفرص بحجة المؤامرة، دون تقديم رؤية سودانية بديلة.
علينا أن نكون واضحين:
لا المؤتمرات الخارجية ستصنع السلام، ولا الانعزال الداخلي سيمنع التقسيم. الخيار الوحيد هو أن نمسك زمام المبادرة بيدٍ قوية، نعيد عبرها ضبط المعادلة السياسية بالكامل. وهذا لا يكون إلا عبر:
• تقوية الجبهة الداخلية وإعلاء قيمة الوطن فوق الطموحات الشخصية.
• تفعيل القوانين بلا تهاون، وتحصين القرار الوطني من الارتزاق السياسي.
• المشاركة بشروطنا في أي مسار خارجي، دون الارتهان ولا المقاطعة العمياء.
ختاماً:
نعم، هناك من يطبخ تسوية في الغرف المغلقة، وهناك من يروّج لسلام يشبه الاستسلام، لكن القرار النهائي يبقى هنا، في السودان، لا في واشنطن ولا جدة….
*خذ الكتاب بقوة يا ريس* …
وامسك القلم بيدك، ولا تدعه بيدهم.
ولا تسمح لأحد أن يكتب مصير السودان دون قواته المسلحة ومؤسساته الأبية.
نقلا عن “المحقق”



