د. معتصم الأقرع
“لماذا نتجاهل أن حرب الجنجويد ليست مع الجيش بل مع بناتنا؟”
أهم نص عن الحرب السودانية كتبته الأستاذة نجاة طلحة في رسالة واستقالة قاسية من حزبها الشيوعي. عندما يكتب تاريخ الحرب السودانية فلا بد أن نص الأستاذة نجاة سيكون من أهم وثائقها غض النظر عن الموقف منه.
ظل الانطباع العام هو أن ” اليسار” السوداني يقف موقف الحياد في هذه الحرب التي لا تخصه ويتمني أن تنتهي بالتعادل بين الطرفين. ولكن في مباراة نهائية لا يوجد تعادل حيث تتمدد المباراة بإضافة أزمان إضافية إلي أن يقضي طرف علي آخر ولو بركلات الترجيح.
فوجئ بعضنا بالبيان التاريخي الذي أصدرته الجبهة الديمقراطية – جامعة الخرطوم – الذي خرجت فيه عن موقف الحياد وقالت عن الجنجويد وأعوانهم المدنيين ما لم يقله مالك في الخمر.
ولكن بيان الجبهة الديمقراطية لم يكن الخروج الأول عن موقف اليسار الحيادي بالحال أو بالمقال. سبق بيان الجبهة الديمقرطية ما كتبته الشيوعية الماركسية الأستاذة نجاة طلحة بعد أسابيع من إندلاع الحرب. كما سبقه ما قال الشيوعي الماركسي، ، د. محمد سليمان في تسجيلات هي أيضا من أهم وثائق هذه الحرب وهي موجودة علي اليوتيوب وقد شاركتها هذه الصفحة حين صدروها.
رغم طول نص الأستاذة نجاة طلحة إلا أنه يستحق القراءة بصورة دورية مرات وعشرات مرات فهو يستفز القارئ المختلف والمتفق معه. تضع الأستاذة نجاة إنتهاك الجنجويد للمرأة السودانية في مركز التحليل كما تشير إلي دور أنجوة العمل العام عن طريق المنظمات الأجنبية في تخريب العمل العام وانحراف النشاط السياسي السوداني بما في ذلك العمل النسوي.
نصوص د. محمد سليمان وأستاذة نجاة وبيان الجبهة الديمقراطية يقول بان ليس كل اليسار متوحد في حياده تجاه استباحة الجنجويد للبلد والسبب في ذلك ما قالته الماركسية الشيوعية نجاة طلحة بان:
“لماذا نتجاهل أن حرب الجنجويد ليست مع الجيش بل مع بناتنا. معركة هؤلاء الأوباش تدور في أعراضنا وكرامة البلد والناس؟ لقد طغى العداء للكيزان على غضبنا على الأعراض التي تنتهك. الحرب الآن مع نساء وبنات السودان ولن يحميهن جيش معزول يناصبه الشعب العداء ويقول له إكتوي بنارك وينسى أن النار الآن لا تأكل الجيش بل تأكل أعراضنا. لن يغفر التاريخ صم الآذان عن سماع صرخات بناتنا في بيوتهن لأننا أبطال في عدائنا للكيزان.
أعراضنا أولا ثم عداؤنا للكيزان وكل قضايا السياسة.”
أدناه نص الأستاذة نجاة طلحة:
إستقالة من الحزب الشيوعي السوداني
تأجلت كثيراً
31 مايو 2023
إن النضال الحزبي يعطي الحزب القوة والحيوية؛ والدليل القاطع على ضعف الحزب هو الميوعة وطمس الحدود المرسومة بخطوط واضحة؛ إن الحزب يقوى بتطهير نفسه. من رسالة وجهها لاسال إلى ماركس في 24 حزيران/يونيو سنة 1852.
حركة الثورة السودانية تتطلب في الظروف الراهنة حزبا موحداً الى أقصى الدرجات ومطهرا من الاتجاهات اليمينية. ان الاتجاه البرجوازي و ” الأبوي” عند بعض كوادر الحزب وخاصة من غير الملتصقين بحياة الحزب الداخلية – والرامي الى المصالحة حفاظا على الوحدة – يؤدي الى نهاية الأمر الى تسميم جسد الحزب الشيوعي، والى شله نهائيا وتجريده من القدرة على العمل ومن إرادة الحركة. وهذا الاتجاه موجود بين أضعف قطاعاتنا الحزبية وأعني قطاع اللجنة المركزية. ظللنا نعاني من آثاره السلبية منذ انعقاد المؤتمر الرابع حتى يومنا هذا. عبد الخالق محجوب في رسالة للتجاني الطيب في 12 مايو 1970
*وفي بلاد ثالثة فر عدد من أعضاء الحزب الثوري إلى معسكر الإنتهازية وأخذوا يسعون إلى بلوغ أهدافهم لا عن طريق نضال صريح في سبيل المبادئ وفي سبيل تكتيك جديد، بل عن طريق إفساد حزبهم بصورة تدريجية غير ملحوظة، لا يعاقبون عليها. فلاديمير لينين. ما العمل. 1902
*وهذا ما حدث وحرفياً في الحزب الشيوعي السوداني.
ولماذا الآن؟
كشف ناشطون من الجنينة عن ارتفاع عدد الضحايا المدنيين منذ بدء الهجمات في 24 ابريل إلى 1100 قتيل و2100 جريح. وقال ناشطون من المدينة لراديو دبنقا إن الهجوم على المدينة تجدد لمدة ثلاثة أيام في الفترة من الأربعاء إلى الجمعة ، موضحين إن المليشيات المدعومة بواسطة الدعم السريع تحاصر المدينة بمختلف الاتجاهات. (صحيفة الراكوبة 212 يونيو 2023)
عندما يكون موقف الحزب الشيوعي هو الحياد تجاه عدوان واضح كالشمس. عصابات تستبيح البلد، أرضها وعرضها وكل مقدراتها. ويكون قرار الحزب الشيوعي إن هذه الحرب لا تخصنا. عندما يتجاوزالحزب الشيوعي الحقيقة البائنة للعيان وواضحة وضوح الشمس، يكون هنالك أجندة غير معلنة. وهذه لا تحتاج لعمق تفكير أوغوص في الأعماق النظرية. هي معادلة واضحة. البلد تجتاحها عصابات متوحشة والجيش (أسوأ جيش في التاريخ) يتصدى للعدوان + موقف حيادي = س. هل هنالك أي منتوج لهذه المعادلة غير أجندة غير معلنة. للأسف فالأجندة تعلن عن نفسها. ويا ليت الحزب الشيوعي كان ق ح ت ولم يكن تابعاً تجره قاطرة قحت. وعندما نطرح السؤال فنحن فقط نحتاج لتفاصيل، مجرد التفاصيل.
لا يمكن أن يكون موقف الحياد لحزب شيوعي، أي حزب شيوعي، من عدوان يحرق البلد يدمرها وعلى وشك إزالتها من الوجود. كل جاهل يفتقد لأدني مقومات تعينه على التحليل سيصل لأن وراء هذا الموقف أجندة غير معلنة.
كتبت إستقالتي من الحزب الشيوعي لكني أرجأت تقديمها لسبب واحد وهو أن الاستقالة، ومهما كانت دوافعها وإرتباطها بالمواقف المبدئية، فهي موقف شخصي. لذلك لم أشاء أن أقدمها والبلد تحترق، أرضاً وعرضاً ومالاً. فكل مقدرات البلد الآن تحت محرقة عصابات الوحوش الجنحويد.
لكني الآن أسمع صوت المبادئ نفسها التي كانت الدافع لإنضمامي للحزب الشيوعي السوداني قبل ما يقارب الستة عقود.
فمجرد الدوافع الإنسانية المشتركة عند البشر ترفض الإلتزام لتنظيم يقود الآن حملة لعزل الجيش الذي يقاتل عصابات تستبيح البلد. تهتك الأعراض وتنهب وتحرق، فهذا لا يمكن بأي حال أن نسميه حياداً بل هو دعم لهؤلاء الوحوش، بتوجيه أقتل ضربة توجه لجيش، وهو يقود معركة كرامة البلد بل حقها في الوجود. هي ليست معركة البرهان او معركة الكيزان. وهل يعمى الحزب الشيوعي عن إستباحة واستعباد نساء السودان في منازلهم؟ هل يعمى الحزب الشيوعي عن البنوك تنهب ثم تحرق؟ هل يعمى الحزب الشيوعي عن الأسواق تنهب ثم تحرق؟ هل يقبع الحزب الشيوعي في المريخ ولم يسمع بعشرات الألوف من السودانيين الذين طردهم الجنحويد من بيوتهم واحتلوها وهم هائمون تقبلهم بلاد وترفضهم بلاد؟ هل يشترك الجيش والجنجويد في العدوان على أهل السودان، نساء السودان، وأرض السودان؟
ليس للحزب الشيوعي أي عذر حتى ولو كان واهياً. فالجيش الآن يقوم بالواجب الذي ظل الجميع يرجوه. بل هو صميم واجبه ومسئوليته. الجيش السوداني الآن يصد عدوان بربري على أعراض ومقدرات السودان. وعندما يقف الحزب الشيوعي في الحياد، بل يدعو الجميع للحياد فلنا أن نسأل عن الدوافع. بل عن الأجندة.
سيقول من يقول أنه موقف ستاليني. لكن سيضحك على هذه المزحة كل من يسمعها بل سيتحسر لو كان من الذين يعتبرون أن الحزب الشيوعي كان حاديهم لطريق النضال القويم. إذ لا يحتاج الموقف من حريق السودان أن تكون شيوعياً حتى. فقط قليل من الإنسانية يكفي.
لم يكن موقف الحزب الشيوعي قفزة في الظلام. بل هو موقف الحزب الذي تحول لأداة لتنفيذ أجندة لصوص العالم.
وهذه إستفالتي التي لم أقدمها للحزب الشيوعي للسبب الذي ذكرته آنفاً.