(المقال الخامس)
سلمى حمد
_______
توطئة :—
تهدف سلسلة المقالات هذه إلى رصد وتحليل المراحل والأسباب التي حولت الدعم السريع من قوة شبه نظامية مساندة للقوات المسلحة إلى قوى موازية محاربة للجيش .. وكيف تطور طموح حميدتي من السعي لكسب رضا قيادات الدولة والجيش إلى السعي إلى قيادة الدولة وتفكيك الجيش.. وكيف ولماذا لعبت قوى سياسية محلية وقوى إقليمية وأخرى دولية أدواراً هامة في تغذية هذا الطموح وهندسة هذا التحول.
دستور الشركة الجنوب أفريقية:-
بعد 25 / أكتوبر ضجت الساحة بالمبادرات التي كان من أبرزها مبادرة الآلية الثلاثية “الأمم المتحدة، الاتحاد الافريقي، الإيقاد” ومبادرة أهل السودان برعاية الشيخ الطيب الجد، ثم مبادرة مالك عقار ومبادرة الجبهة الثورية. واخيراً مبادرة “الآلية الرباعية” – السعودية والإمارات وبريطانيا وأمريكا – ثم دمجت مبادرتي الآليتين الثلاثية والرباعية وتم التوافق حولهما من قبل قحت المركزي وآل دقلو ولاحقاً القوات المسلحة وفق شروط وتعديلات..
9/6/2022. العربية:
“بوساطة سعودية أميركية.. قوى الحرية والتغيير تجتمع بالجيش، الاجتماع استمر 5 ساعات في منزل السفير السعودي في الخرطوم”.
انتظمت اجتماعات (قحت) مع حميدتي وعبد الرحيم دقلو بإشراف وتنسيق سفراء الآلية الرباعية وفولكر بيرتس ونجحت تلك الاجتماعات في إحياء وتجديد الحلف القديم الذي أسفر عن الاتفاق مع شركة قانونية جنوب أفريقية لكتابة مسودة دستور انتقالي (صرحت بذلك مريم الصادق المهدي في لقاء تلفزيوني) تم الاتفاق مع بعض أعضاء اللجنة التيسيرية لنقابة المحامين على تبني المسودة التي نفى بعض أعضاءها علاقة التيسيرية بكتابة المسودة في مؤتمر صحفي مشهود.
8/8/2022 انعقدت بدار المحامين ورشة “الإطار الدستوري الانتقالي” وكان على رأس الحضور سفراء مجموعة الرباعية والثلاثية ورئيس بعثة اليونامينس فولكر بيرتس وعدد من السفراء والمبعوثين .
أصدر “حميدتي” في اليوم التالي للورشة بياناً رحب فيه بمسودة الدستور دون أن يطلع عليها كما قال !!
13/9/2022. الشرق الاوسط:
“خفّت لهجة «العداء» بين الحرية والتغيير والدعم السريع بوضوح في الآونة الأخيرة، وهو مابرز بشكل واضح في الندوة الصحافية التي عقدها التحالف مطلع الشهر الحالي، وساوى فيها بين الجيش والدعم السريع “.
13/9/2022. الشرق الاوسط:
” أبدى نائب رئيس مجلس السيادة قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ترحيبه بمشروع الدستور الانتقالي الذي أعدته اللجنة التسييرية لنقابة المحامين السودانيين، ونص مشروع الدستور على أن تختار القوى الموقعة على مشروع الدستور قادة الحكم المدني الانتقالي بمن فيهم أعضاء مجلس السيادة ورئيس الوزراء والوزراء وأعضاء المجلس التشريعي وحكام الولايات ورؤساء القضاء والنيابة والمحكمة الدستورية”.
القوى الموقعة على ذلك الدستور هي قوى الحرية والتغيير (المركزي) وفصيل من المؤتمر الشعبي. والسيد الحسن الميرغني من الاتحادي الديمقراطي (أعلن الحزب رفضه للاتفاق) وعدد من حركات دارفور المنضوية تحت لواء (الجبهة الثورية) ..
4/11/2022 . رويترز :
“قادة الجيش في السودان قدموا ملاحظات على مسودة الدستور كأساس لمحادثات بوساطة دولية”.
الاتفاق الإطاري :—
5/12/2022 . الجزيرة الإخبارية :
“تم اليوم الإثنين في العاصمة السودانية التوقيع على اتفاق “إطاري” بين العسكريين وقوى سياسية متعددة، ينص على تدشين مرحلة إنتقال سياسي يقودها مدنيون لمدة عامين وتنتهي بإجراء انتخابات ” .
.أبرز بنود الاتفاق الإطاري :-
. المجموعة الموقعة عليه لها الحق الحصري في اختيار قادة الحكم المدني الانتقالي (أعضاء مجلس السيادة ورئيس الوزراء والوزراء وأعضاء المجلس التشريعي وحكام الولايات ورؤساء القضاء والنيابة والمحكمة الدستورية. ورئيس الوزراء هو من يرأس مجلس الأمن والدفاع كما تتبع له اجهزة الأمن والمخابرات والشرطة).
ابتعاد الجيش عن السياسة وعن أي نشاط اقتصادي (لم يتطرق لإمبراطورية الدعم السريع الاقتصادية)
. دمج قوات الدعم السريع وقوات الحركات المسلحة في الجيش وفقاً لترتيبات لاحقة .
إصلاح الأجهزة العدلية وتحقيق العدالة الانتقالية .
. تقييم وتقويم اتفاق سلام جوبا .
. تفكيك نظام 30 يونيو ومراجعة قرارات محكمة الاستئناف .
إجازة دستور دائم للبلاد (قبل الانتخابات) وإجراء انتخابات خلال عامين .
من البنود التي أثارت جدلاً واسعاً بند نص على ان (الدولة السودانية دولة مدنية تقف على مسافة واحدة من كل الأديان) وهو ما فسر بأنه علمانية متطرفة تقصي الدين الاسلامي ولا تعترف بالشريعة الإسلامية كمصدر من مصادر الدستور .
تمت إحالة عدد من القضايا الكبرى إلى خمسة ورش لمناقشتها وإجازتها قبل التوقيع الختامي وهي ( الإصلاح الأمني والعسكري والعدالة وشرق السودان واتفاق السلام وتفكيك التمكين)
.قالت خلود خير الله/ مديرة مؤسّسة Confluence Advisory .. والخبيرة المعتمدة لدى مركر مالكوم كير – كاربنغي للسلام (بالشرق الأوسط) في دراسة أجراها المركز حول الاتفاق الإطاري واستطلع فيها آراء بعض الخبراء 12 /يناير 2023 : (يأمل أبطال الاتفاق أن تؤدي ورش العمل التوافقية التي تمّ إطلاقها مؤخراً لمناقشة القضايا الشائكة إلى كسب دعم الشعب السوداني حول النتيجة المُفترضة للاتفاق، وإلى توقيع اتفاق نهائي، يقول المطلعون على المسألة أنه سبق أن تمت صياغة مسودة له، ما يجعل ورش العمل الحالية مجرد مسرحية).
ورشة الإصلاح الأمني والعسكري :–
كانت هي القنبلة الموقوتة التي فجرت الخلاف ..
29/3/2023 . الشرق الاوسط :
“انسحاب مفاجئ لقادة الجيش السوداني من ورشة الإصلاح الأمني” .
13/4/2023. الجزيرة الإخبارية :
“طالب الجيش بدمج قوات الدعم السريع في جيش واحد وأن تكون هناك قيادة واحدة للجيش بعد الدمج.
– طالب الجيش أيضا بإتباع شركات قوات الدعم السريع لوزارة المالية والإجراءات الحكومية المعروفة”.
29/4/2023. رويترز:
“الجيش قدم أوراقه الفنية خلال ورشة الإصلاح، مقترحاً مدة سنتين لدمج “الدعم السريع” في القوات المسلحة، فيما قدم “الدعم السريع” ورقة تطالب بعشر سنوات مع بقاء جميع امتيازاته السياسية والمالية ” .
. لم يتم تضمين آراء واشتراطات القوات المسلحة في توصيات الورشة الختامية فانسحب ممثلوها ورفضوا التوقيع على توصيات الورشة التي جعلت مدة الدمج عشرة سنوات ومنحت الدعم السريع استقلالية تامة كقوات موازية للقوات المسلحة، ولم تلزمه بأيلولة مؤسساته الاقتصادية لوزارة المالية أسوة بالقوات المسلحة، والاسوأ هو أنها لم تتضمن جدولة زمنية لعملية الدمج.
ونعود لما قالته خلود خير الله في دراسة مركز كارنيغي : ( يُعتبر الرابح الأكبر من هذا الاتفاق قائد قوات الدعم السريع شبه العسكرية الفريق أول محمد دقلو المعروف بـ”حميدتي”، الذي يرفعه الاتفاق من نائب للبرهان إلى مساوٍ له وهي خطوة تضع السودان على مسافة أبعد من الحكم المدني وأقرب إلى حرب أهلية محتملة) ..
. طالب الجيش بتضمين رؤيته وشروطه في توصيات اللجنة ورفض التوقيع على التوصيات المجحفة وغير المكتملة ..
صعد الدعم السريع والقوى المدنية الموقعة على الإطاري من موقفهم الرافض لأي تعديل على بنوده وافترعوا خطابا تهديدياً حاداً.. وقال حميدتي في افطار رمضاني بضاحية الشيخ الكباشي (لو ما دايرين البلد دي تتفرتق وتجوط أمشو لينا في الاتفاق الاطاري ده) وقالت مريم الصادق (العملية السياسية خيار مفضل لنا ولكن في حال تعثرت بالعراقيل المختلفة فسنطور خيارات بديلة) وقال بابكر فيصل (الاطاري أو الحرب) وقال محمد الفكي (البديل للاطاري هو المواجهة).
تزامنت تلك التصريحات مع تدفق قوات الدعم السريع وارتاله وعتاده إلى الخرطوم وهو ما جعلها بمثابة التهديد العسكري الجدي ..
ونواصل