عوض أبكر اسماعيل
ذاك النجم الذي لمع وتلألأ في سماء ثوار ثورة 19 ديسمبر عام 2019م فخطف بريقه نور أعين ثوارها فتشبثوا به.. وعلق بعضهم صوره على صدورهم إعجابا وافتخارا بشخصيته وكارزميته المصطنعة.
أعجبوا وسحروا بمنطقه البسيط.. وأسلوبه الموجز .. فطفقوا يعظمونه ويعلون من شأنه حتى بلغ عندهم عنان السماء ..إذ ظلوا يتحينون الفرص لتلقف مصطلحاته التي ظل يطلقها بين الفينة والأخرى في لقاءاته على شاكلة (البراغماتية) (سننتصر.. سنعبر ) والتي أضحى شباب الثورة يرددونها ويتغنون بها دون وعي في البوادي والبنادر .. ولايلوون على شئ سوى الحديث عن شهرته في المؤسسات الدولية في مجال الاقتصاد كما يزعمون ويدعون دون أن يعلموا أن تحت السواهي دواهي أو بالمعنى الشعبي السوداني البسيط (قايلين القبة تحتها فكي).
أجل! التفت قطاعات واسعة من الشعب السوداني كذلك من حوله عند قدومه كما التفوا وتحلقوا من قبل حول القائد التاريخي الدكتور جون قرنق دمبيور بعيد توقيع اتفاقية السلام الشامل _CPA ( Comprehensive Peace Agreement )
مع حكومة المؤتمر الوطني في عام 2005م، واعتبروا حمدوك منقذاً لاقتصادهم المتهالك فعلقوا كل آمالهم وتطلعاتهم في مشجبه أملاً في أن يحولها لهم إلى واقع ملموس فيصلح الاقتصاد ويكافح الفساد ويحارب البطالة.. لكن هيهات!
هكذا هي كانت نظرة الشعب السوداني لشخصية عبد الله حمدوك في بداية قدومه إلى السودان وفي الفترة القليلة التي أعقبت قدومه.. أجل!
تلقفته قيادة قوى الحرية والتغيير (قحت) و زفته بعيد قدومه إلى البلاد إلى سدة الحكم ليقود الحكومة الانتقالية تحت إمرتهم في منصب رئيس مجلس الوزراء.. غير أنه من المآخذ التي أخذت عليه في سني حكمه هو عدم امتلاكه لقراره وارتهان قياده لدهاقنة (قحط) وجهابذتها الذين أحاطوا به إحاطة السوار بالمعصم.. فأضحي مصفداً بأصفادهم يحولونه يمنة ويسرة كما شاءوا.. لأجل تنفيذ أجندتهم على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي .. فتحول تدريجياً من رئيس لكل الشعب السوداني إلى لعبة في أيدي فئة قليلة همها الأول والأخير الانفراد بكعكة السلطة لوحدها دون الآخرين من ممثلي القوى السياسية الأخرى .. ومع ذلك ظل طوال تلك الفترة محتفظا بوقاره وسمته وهندامه في قلوب الذين اعتبروه أيقونة الديموقراطية والحكومة المدنية، إلى أن أدى الخلاف بين شريكي السلطة ممثلين في المكون العسكري والمكون المدني، ما حدث في 25 أكتوبر عام 2021م حيث أطاح المكون العسكري بحكومته، وعاد حمدوك بعد ذلك بنحو شهر إلى منصبه لكنه سرعان ما غادره بعد نحو شهرين وعاد أدراجه إلى غربته بهدوء دونما أي ضوضاء بعد أن استقال من رئاسة الحكومة.. وليته احتفظ بهذه الصورة الزاهية والمقام الرفيع الذي بوأه إياه الشعب السوداني حتى يغدو رقماً وطنياً بارزا يصعب تجاوزه في أي محفل وطني سوداني مستقبلا ..
لكن يا للخيبة! فما أن اندلعت حرب 15 أبريل عام 2023م بين الجيش السوداني و متمردي الدعم السريع إلا وقلب ظهر المجن وأدار ظهره لمعجبيه في الساحة السياسية السودانية.. إذ ظهرت سوءاته وبانت عوراته.. وذلك من خلال ركوبه لصهوة جواد قوي الحرية والتغيير (قحت) التي رفعت (شعار لا للحرب) في الوقت الذي ظلت تغارل وتؤازر فيه المتمردين سراً.. إذ أضحت طوال تلك المدة المنصرمة – أي قحت التي تحولت لاحقا إلى تنسيقية القوى المدنية والديموقراطية (تقدم) – تدفع عن نفسها باستمرار تهمة موالاتها لقوات الدعم السريع المتمردة ولعبها لدور الجناح السياسي لها.. إلا أن مواقفها وخطابها السياسي قد فضحها أمام الرأى العام السوداني الذي أصبح حانقاً عليها .. وما أدل على ذلك غضها الطرف عن جرائم الميليشيا الفظيعة التي ارتكبتها في حق الشعب السوداني والتي هزت ضمير العالم الحر فأدانتها ولم تدنها تقدم وقتداك.. فضلا عن توقيعها لإعلان مبادئ مع قوات الدعم السريع المتمردة في أديس أبابا في يناير 2024م سعيا لإضفاء البعد السياسي عليها ومساواتها مع القوات المسلحة السودانية !!
هذه ناحية، أما الناحية الأخرى فإن وصمة العار والشنار التي ستظل تلاحق السيد عبد الله حمدوك طوال عمره هي دعوته الصريحة للمجتمع الدولي للتدخل في شؤون بلده السودان.. وحظر طيران الجيش السوداني من التحليق في سماء بلاده.. علاوة علي إقامة مناطق آمنة منزوعة السلاح.. ومما يجدر الإشارة إليه هو أن كل ذلك قد حدث مؤخراً إبان زيارته لبريطانيا في نهاية شهر أكتوبر المنصرم مترئسا لوفد تنسيقية القوى المدنية والديموقراطية (تقدم) .. فهل هنالك عمالة وخيانة للوطن أكثر مما يدعو أحد أبنائه لتدخل قوات دولية أجنبية لتنتهك سيادة وطنه وتستبيح عرضه وأرضه؟
هكذا خاب فأله وهوى نجمه من سماء السياسة السودانية إلى الأبد.