حديث المبادرات مبادرة ترامب 1

أمين حسن عمر يكتب

كلمة مبادرة صارت كلمة مستهلكة في السياسة السودانية، فهي صارت كلمة بلا طعم ولا نكهة ولا رائحةوبلا معنى، لأنك لا تستحق أن يقال عليك مبادرا ما لم تسبق إلى المعنى أو الفكرة  أو الاقتراح الذي تقول به ،لكن المبادرات عندنا كلها تكرار لأفكار معلومة ومكرورة، ولا تحمل جديدا في مقاربة المشكلات أو الأزمات.

وما سمي بمبادرة الرباعية  أو ما سمي أخيرا بالمبادرة السعودية الأمريكية وأيا ما كان الإسم فإن المحلل لا يجد عندها فكرة جديدة بل لا يجد فكرة صحيحة فكل هذه المبادرات تقوم على فكرة التنازع على السلطة بين طرفين إن لم يكونا متساويان فهما يكادان أن يكونا كذلك، فالفكرة ههنا هي فكرة حل المشبوك بين طرفين .

وربما يعرف العالم أو كاد يعرف الآن أنها فكرة خاطئة فقد بات الأمر مفضوحا ومعلوما أنه تمرد ليس على حكومة شرعية قبلها الشعب وأعترفت بها المنظمات الدولية فحسب، بل هو تمرد على أساس الدولة وسعي علني لهدمها وتهجير أهلها وإستبدالهم بعربان يأتون من كل صوب بعيد.

هم يعرفون ذلك ولئن كانوا في السابق ليسوا على يقين فهم الآن على عين اليقين ، كيف لا وقد شاهد العالم بأسره المذابح للناس  بعشرات الالاف وشاهدوا العربان يتدفقون بالقوافل على السودان وجاء المرتزقة من بعيد وقريب يستزرقون من  حرب  أهل البلاد   ويغنمون من أموالهم ويقتلون رجالهم ويستحيون نساءهم

لذلك من يخبرنا عن نزاع بين طرفين فهو أحد إثنين إما أن لا يعرف ولا يريد أن يعرف أو أن المعرفة بحقيقة الأمر لا تلائمه ، لذلك من يأتي وفي جعبته ترداد لرواية مستهلكة لا تستمعوا له لأن  من لا يعرف أو يعترف بالمشكلة فهو لا يعرف أو لا يرغب  في حلها

فما الجديد إذا ؟الجديد أن البعض أصبح بعد جرائم الجنجويد البشعة  يدرك خطرهم لا على تفكيك السودان بل نشر الفوضى في الإقليم بأسره مما يهدد الجوار المباشر والقريب وكسب هذا الفهم حليفا قويا تمثل في المملكة العربية السعودية والتي باتت تدرك خطر نشر الفوضى عند حدها البحري الغربي بينما تتركز مشروعاتها التنموية الكبرى على الساحل الآخر .والسعودية عبر خطتها المعلنة تركز على التنمية والأمن وقد باتت تحسس من مشروعات نشر الفوضى على مقربة منها في كل إتجاه

وأما لماذا نقول أن مشروع مكافحة فوضى الجنجويد قد كسب حليفا قويا  إلى جانب مصر وأرتيريا اللتان عرفا الخطر منذ لحظاته الأولى، ذلك أن السعودية باتت من الناحية الجيوسياسياسية ذات أهمية بالغة للقطبين المتصارعين في العالم وهما الصين والولايات المتحدة الأمريكية  وكلاهما يتقربان اليها لاسباب عديدة .

أول هذه الاسباب هي ان السعودية لاعب مهم للغاية في النزاع التجاري العالمي  ففي الوقت الذي تحاول الصين من خلال توسيع نطاق تجارتها العالمية عن طريق طريق الحرير تحاول أمريكا طرد الصين من الشرق الاوسط وافريقيا والمنطقتان شهدا توسعا هائلا في التجارة مع الصين فقد بلغت  قيمة التبادل التجاري بين الصين ودول الخليج حوالي 316مليار دولار وتوسع بنسبة 140٪ في

خلال سبع سنوات من العام 2015الى2022

وصارت الصين أكبر شريك تجاري للسعودية

وذهبت دول الخليج لأبعد من ذلك من خلال من خلال طرح مسألة تسعير جزء من تجارة النفط في بورصة شنغهاي للطاقة باليوان ثم جاءت استضافة السعودية للقمم الإقتصادية مع الصين  على عهد الرئيس بايدن مما أضاء الضوء الأحمر في واشنطون ثم جاء إنضمام الأمارات ومصر للبريكس والتي تفكر في إنشاء عملة خاصة بالمجموعة للتعاون التجاري  ما يعنى ضربة مهلكة للدولار في وقت إرتفعت مديونية أمريكا لتكون هي الأعلى في العالم

وتنوعت شراكات الصين مع الخليج من الإقتصاد إلى التكنولوجيا الى التصنيع العسكري ، لذلك فإن ترامب الذي يكاد يشن حروب في أفريقيا مع نيجيريا وفي أمريكا اللاتينية في فنزويلا ودافعه الأول هو النفط والدولار  لن يوفر جهدا في الإحتفاظ بالسعودية بعيدا عن البريكس والصين فترامب  الذي يهدد جنوب أفريقيا التي تقود عبر البريكس الإنعطاف الى الصين بالويل والثبور وعظائم الأمور لن يفرط وهو يرى تجارة أفريقيا مع القارة الناهضة ترتفع من 11مليار في العام 2001الى ما يقارب ربع ترليون في العام 2024

مدفوعة بتفاعل أكبر الإقتصادات في أفريقيا الاقتصاد النيجيري والإقتصاد الجنوب أفريقي والإقتصادي المصري والجزائري .

فالاقتصاد النيجيري  وصل فيه حجم التبادل التجاري  الى محو 22.6مليار  دولار و وتم الاعلان عن نحو 20مليار من الالتزامات الإستثمارية بين البلدين وتدرس نيجيريا بجدية الإنضمام للبريكس وكذلك الجزائر ولذلك يمكن للقاريء أن يفهم التهديدات العصبية لنيجيريا وفنزويلا التي لو كسب فيها ترامب أحدى الحربين العسكرية او السياسية فسوف يكسب ترليون دولار سنويا ويكسب طرد الصين من جنوبي أمريكا

الآن فيما أحسب باتت مفهومة دوافع تحركات ترامب في الشرق الاوسط وأفريقيا وفي الجزء التالي سوف نتطرق  لمحاولة فهم مقاربة ترامب للأزمة في السودان على ضوء هذه الإعتبارات إن سمحت له غفلة أهل السودان بجعل السودان ورقة  من أوراق صفقاته العديدة في هذه المنطقة المهمة من العالم.

Exit mobile version