جرائم الجنجويد في منطقة الجزيرة ضد المدنيين خطة عسكرية

محمد جلال هاشم

كمبالا – 10 يونيو 2024

جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها مليشيات الجنجويد على منطقة الجزيرة وسط السودان (الذي يضم مخطط الجزيرة المروي ( 2 مليون فدان مع أقل من 8 مليون نسمة)، تستهدف المواطنين العزل في قراهم، إضافة إلى كونه سلوكاً عميقاً متجذر في نفسيتهم التي استمرت منذ ثلاثة عقود في دارفور، هو في الحقيقة شيء أكبر من ذلك. ما هذه الجرائم الممنهجة إلا خطة عسكرية يوصي بها خبراء عسكريون يعملون مع الإمارات من أجل جر الجيش السوداني إلى معارك بناء على “تكتيكات حرب قاطعة” أي أن تتحرك قوة الجيش فوراً كلما سمعت أن قرية كذا وكذا تحت هجوم جنجويد. كل عسكري محترف يعرف أن الجيوش النظامية (على عكس الشرطة) تخوض الحروب فقط من خلال خطة متكاملة ومرسومة بشكل جيد.
***
حسب شهادات الشهود ولمن يعرف صعوبة التنقل بين قرى مخطط الجزيرة الزراعي والبحر عبر قنواتها السرية وبينها فإن مليشيات الجنجويد تتحرك بكل سهولة وكأنها تمتلك خرائط أقمار صناعية بإحداثيات دقيقة مرسومة عبر الأقمار الصناعية مما يجعل نادراً ما يفقدون طريقهم بين مجمع قنوات الري الخاصة بهم، بل وأكثر سوءاً في سهوله الشاسعة مع طرقاتهم الترابية المتقاطعة. واتضح ذلك في تحركاتهم الدقيقة في المناطق الشمالية من منطقة الجزيرة حيث يمكن لشخص أن يقضي 10 ساعات يتجول من الشرق بين قرية اللعوطة وقرية واد الكريل في الغرب.
***
كما هو معروف في القانون الدولي (1)، تقع مسؤولية أمن وسلامة مواطني منطقة الجزيرة رسمياً وقانونياً على أكتاف القوة العسكرية التي تسيطر على المنطقة وكل بقعة منها بوجود المدنيين. من المفهوم أن مليشيات الجنجويد هي التي تقع تحت سيطرتها منطقة الجزيرة بخصوص هذا القانون الذي يتجاهله المجتمع الدولي عمداً، يدعي الجنجويد (مثلاً في مجزرة قرية ود النورة – حوالي 280 مدنياً قتلوا بدم بارد؛ التقديرات الأولى تبدأ من 100+ 2) إما أن المواطنين كانوا يحملون السلاح (وهذا بالطبع حقهم طالما احتفظوا بقريتهم لحماية أنفسهم من أي شخص قد يهاجمهم)، أو وجود عسكري سوداني في القرية. طبعاً من المعروف بالضرورة في القانون الدولي أن أي موقع مدني يمكن أن يصبح هدفاً عسكرياً إذا ثبت أنه يحتوي على قوات عسكرية، بشرط اتخاذ كافة الإجراءات الممكنة للحد من الضرر على المدنيين.
***
ولكن الحقيقة التي تتجلى في الفيديوهات التي يتم تداولها بشكل واسع في وسائل التواصل الاجتماعي (مثلاً، دعونا نأخذ حادثتي مجزرة ود النورة مثالاً على الجنجويد وقصف سوق قندهار كمثال على ذلك الجيش السوداني، 3)، سنلاحظ ما يلي:
1)
كمثال- في مجزرة قرية ود النورة (وإن كانت غيرها كثيرة) لا نرى أي جنود ينتمون للجيش السوداني سواء من القتلى أو الجرحى أو من الناس الحاضرين عليهم. هذا يشير بوضوح إلى أن جنود الجيش السوداني لم يكونوا موجودين في المنطقة على الإطلاق. هذا يثبت أيضاً أن القرية هي في الواقع منطقة مدنية 100%. هذا يثبت أنها منطقة لا توجد فيها قوات عسكرية على الإطلاق، وبالتالي يصبح استهدافها من قبل أي مجموعة عسكرية مجرد جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية.
***
2)
أما فيما يتعلق بحادثة قصف جوي سوق قندهار (وإن كان الكثير منها)، فإننا لا نلاحظ فقط وجود مقاتلي مليشيات الجنجويد يتجولون بين القتلى والجرحى وهم يحملون أسلحتهم، ولكننا نلاحظ أيضا مقاتلي المليشيات الخاصة بهم لا يزالون يرتدون الزي الرسمي بين قتلى وجرحى. هذا يثبت أنها فعلا منطقة مدنية (سوق ولو لبيع البضائع المنهوبة) ولكن بوجود كثيف للقوات العسكرية مما يجعلها حسب القانون الدولي هدفاً عسكرياً رغم كل الألم الذي يشعر به المرء لأن الضحايا المدنيين (هذه الفيديوهات غالباً تم تسجيلها بواسطة كاميرات الهاتف المحمول للجنجويد أنفسهم). وفي هذا الشأن تتحمل مليشيات الجنجويد المسؤولية الكاملة عما أصاب المدنيين وما أصاب مقاتليهم كما تتخذ المدنيين ووجودهم مثل الأحياء السكنية والأسواق كدروع بشرية يحتمون خلفها. طبعاً الكل يعرف أن مليشيات الجنجويد التزمت بالابتعاد عن المناطق المدنية والسكنية بدءاً من الإخلاء من منازل المواطنين التزام لم يلتزموا به حتى هذه اللحظة
***
خاتمة
من الناحية التكتيكية، ما يحدث في منطقة الجزيرة هو مجرد خطة عسكرية لإجبار الجيش السوداني على خوض هذه الحرب بطريقة حروب العصابات في ساحة معروفة بأنها متاهة بسبب قنوات الري السرية والسهول الشاسعة مع الطرق الترابية المتقاطعة للمركبات. لتنفيذ هذه الخطة وبسبب ميل الاضطهاد والإساءة للمدنيين المتجذرة في طبيعة مليشيات الجنجويد تم إعطاء أوامر مباشرة من خبراء حرب استأجرتهم الإمارات لمليشيات الجنجويد لارتكاب جميع أنواع الجرائم ضد المواطنين العزل في منطقة المخطط الزراعي الجزيرة وسط السودان بغض النظر عن اعتياد مقاتلي مليشيات الجنجويد الذين لا يرحمون على ارتكاب هذه الجرائم بطبيعتهم كما كانوا يفعلون في دارفور طوال العقود الثلاثة الماضية، ورغم أن هذه الجرائم في منطقة الجزيرة هي جرائم حرب أخرى وجرائم ضد الإنسانية وحرب من الإبادة لكن هناك فرق في التكتيكات بين الحالتين في قضية دارفور، تقوم مليشيات الجنجويد بجرائمها المذكورة أعلاه باسم النظام الإسلامي للرئيس النفسي، البشير المخلوع لمعاقبة المدنيين الذين أخذ شبابهم الثوري إلى السلاح. ولكن في منطقة الجزيرة نفس الجرائم المذكورة أعلاه هي تكتيك نعم، ولكن ليس لمعاقبة الفقراء والمدنيين العاجزين، بل والأسوأ من ذلك كخطة حرب ضد الدولة السودانية، الشعب السوداني ممثل عسكرياً في الجيش السوداني. المسئولون عن هذه الجرائم هم مليشيات الجنجويد والراعي الإقليمي لها (الإمارات) وكل القوى والكيانات السياسية والمدنية السودانية المتحالفة مع مليشيات الجنجاويد ثم المجتمع الدولي وعلى رأسها الأمم المتحدة ومجلس الأمن وكذلك الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية.


كمبالا – 10 يونيو 2024

Exit mobile version