تهريب وقود مدعوم من الدولة يكلف ليبيا 20 مليار دولار على مدار ثلاث سنوات

الأحداث – وكالات
أدى ارتفاع دراماتيكي في تهريب الوقود بدعم رسمي بين عامي 2022 و2024 إلى خسارة الشعب الليبي نحو 20 مليار دولار أمريكي (15 مليار جنيه إسترليني) من الإيرادات المفقودة، وفقاً لتقرير شامل صادر عن الجهاز التحقيقي والسياسي “السنتري” (The Sentry). يصف التقرير هذا النهب المنهجي لمصدر الدخل الرئيسي في ليبيا بأنه “جريمة منظمة” تتجاوز حدود الحكم الضعيف، مطالبًا بعقوبات دولية فورية ضد المتورطين، بما في ذلك مسؤولي النفط الليبيين وقادة أمنيين مدعومين من دول أجنبية.
الأولويات الدولية: تحقيق غربي ووقف الدعم الخارجي للشبكات الإجرامية
في دعوة حاسمة، يطالب “السنتري” بتحقيق مدعوم من الدول الغربية في مسؤولي شركة النفط الوطنية الليبية (NOC) الذين يُعتقد أنهم في قلب عملية التهريب، بالإضافة إلى دعم دولي للهيئات التحقيقية الليبية لاسترداد الأموال المسروقة. يؤكد التقرير أن “السياسيين وقادة الأمن الذين يدّعون مكافحة الجريمة المنظمة هم في الواقع المهندسون الرئيسيون لهذه الصناعة، غالباً بدعم من دول أجنبية”. وأبرز أن بعض الوقود المهرب وُجه إلى السودان، حيث ساهم في إطالة أمد الحرب الأهلية هناك، مما يربط الأزمة الليبية بالصراعات الإقليمية الأوسع.
يُعد التهريب مشكلة مزمنة في ليبيا منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، لكن التقرير يرصد زيادة حادة بدأت بعد تغيير قيادة NOC عام 2022. أدخلت الشركة نظام “التبادل”، حيث يُستبدل النفط الخام الليبي الوفير بوقود مكرر مستورد يُباع في السوق المحلية بأسعار مدعومة، لكنه يُعاد تهريبه إلى الخارج بربح هائل. بحلول أواخر 2024، ارتفعت واردات الوقود اليومية من 20.4 مليون لتر في أوائل 2021 إلى أكثر من 41 مليون لتر، دون مبرر اقتصادي محلي حقيقي. يقدر “السنتري” أن أكثر من نصف هذه الكميات بيعت من قبل شبكات إجرامية، مما أدى إلى تهريب وقود بقيمة 6.7 مليار دولار في 2024 وحدها – مبلغ يكفي لمضاعفة إنفاق ليبيا على الصحة والتعليم أكثر من ثلاث مرات.
الآليات الإجرامية: من الشاحنات إلى الخطوط السوداء عبر الحدود
يصف التقرير الشبكة بأنها “استراتيجية منهجية” اعتمدها قادة ليبيا الرئيسيون عام 2021 لسحب ثروة هائلة من الشعب. تشمل الشبكات “كليبتوقراطيين ومجرمين منظمين” يتعاونون مع مسؤولين فاسدين يسيطرون على البيروقراطية الحكومية، مراكز اللوجستيات، نقاط التوزيع، والمعابر الحدودية. الوجهات الرئيسية تشمل السودان، تشاد، النيجر، تونس، ألبانيا، مالطا، إيطاليا، وتركيا. أما وسائل النقل فتشمل سفنًا، شاحنات خزانية، مركبات صغيرة، وحتى خطوط أنابيب غير قانونية.
أدى هذا إلى نقص داخلي حاد، يجبر الليبيين – خاصة في المناطق النائية – على شراء الوقود بأسعار مرتفعة في الأسواق السوداء. كما أضعف التهريب البنك المركزي الليبي من إيرادات الدولار، وألحق الضرر بـNOC، التي تعتمد صادراتها على الهيدروكربونات لتمويل 95% من ميزانية الدولة. حدثت الزيادة الهائلة أثناء رئاسة فرحات بن قدارة للشركة (2022-يناير 2025)، الذي غادر المنصب بعد 30 شهرًا.
ردود الفعل والإصلاحات المقترحة: بين النفي والدعوات للتغيير
أعلنت NOC أنها تخلت عن نظام التبادل في مارس 2025، مع انخفاض في جودة الوقود المستورد بنسبة 8% خلال الأشهر الأولى. ومع ذلك، يحذر الخبراء من استمرار الاستيراد الزائد عن الحاجة. في تصريح لـ”السنتري”، دافع بن قدارة عن فترة عمله، مؤكداً “الشفافية والتعاون مع المؤسسات الوطنية والدولية”. وأضاف أنه قدم إصلاحات إلى مجلس الوزراء والمجلس الأعلى لشؤون الطاقة، تشمل زيادة إنتاج الغاز الطبيعي، تعزيز الطاقة المتجددة، وإزالة الدعم على الوقود تدريجيًا لتقليل الاعتماد على الديزل في توليد الكهرباء.
يُعد التقرير بمثابة إنذار دولي، خاصة مع ارتباط التهريب بالحروب الإقليمية مثل السودانية، ويُرى فيه ضغطًا على الولايات المتحدة وأوروبا لفرض عقوبات هدفية. في تعليق، أعرب متحدث باسم الاتحاد الأوروبي عن “القلق الشديد”، مشيرًا إلى أن التهريب يهدد الاستقرار في شمال أفريقيا. أما الحكومة الليبية المؤقتة، فقد وعدت بـ”تحقيق داخلي”، لكن الخبراء يشككون في فعاليته دون تدخل خارجي.



