تقرير – عزمي عبد الرازق
تنوء أبوظبي بحملٍ ثقيل، وهي تحاول استعادة صورتها القديمة لدى السودانيين، وذلك بعد تعري مواقفها المساندة والداعمة للتمرد، وكم الخسارات الفادحة، التي تسببت فيها، من موت ونزوح ودمار، دون أن تجيب عن الأسئلة التي تلاحقها، لماذا تناصب الجيش والشعب السوداني العداء؟
حاضنة الجنجويد
تفاجأت الإمارات بموجة سخط عالية حملها النيل إلى شاطئها الجنوبي من الخليج، وقد وصل بهم الأمر، إلى غلق التعليقات في الصفحة الرسمية لوكالتهم الإخبارية “وام” عندما سربت من قبل تفاصيل المكالمة الآخيرة بين البرهان وبن زايد، ورد عليها مجلس السيادة، نافياً دقة تلك التفاصيل، ثم تلتها ردود رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بصورة لم يتعودوا عليها تقريبًا، إذ أنهم وعلى ما يبدو من تلك الردود، فإن حكام أبوظبي يبحثون عن الديمقراطية – من خلال بنادق الجنجويد – في منازل السودانيين، ويمارسون الحريات، التي لا يؤمنون بها في بلادهم، فوق أجساد النساء المغتصبات، في دارفور والجزيرة، عبر ذات القوات المتمردة!
في اليوم الثاني لاندلاع الحرب في 15 أبريل 2023، وبعد صمت طويل، أطل رئيس الوزراء المستقيل عبد الله حمدوك من أبوظبي، ليُحذر من وضع سماه بالكارثي جراء الحرب التي اشتعلت لتوها، وضرورة خلق ممرات آمنة للمواطنين، كما لو أنه يعرف ما سوف تؤول إليه الأوضاع عموماً، فضلًا على أن ذلك الخطاب الحمدوكي المُسجل في أبوظبي تحديدًا، ونقلته وكالة الأنباء الإماراتية حينها لم يكن بريئاً. كمَا أنَّ اختيار حمدوك العيْش في أَبو ظبْي أَثَار عَاصِفة مِن الشُّكوك، خُصوصًا وأنَّ معْلومات رَشحَت بَعْد ذَلِك عن تعْيينه مُديرًا تنْفيذيًّا لِمرْكز التَّنْمية والاسْتثْمار فِي أفريقيا بِالْإمارات، لِتضْمن وُجُودَه بِالْجوار وَوَلاءَه أَيْضاً.
الهروب من الأسئلة
قبل أيام استضاف مقدم البرامج التلفزيونية الشهير “تيم سيباستيان” الدكتور عبد حمدوك على شاشة (DW)، ووضع أمامه السؤال الذي لطالما تهرب منه: الإمارات العربية نشطة للغاية في المنطقة، وتقوم بتزويد الدعم السريع بالأسلحة تحت ستار الأزمة الإنسانية، وفقًا لتقرير الخبراء، فماذا تعرف عن ذلك؟ حمدوك كدأبه تهرب من الإشارة إلى الدور الإماراتي في تأجيج الصراع في السودان، وظل يتحدث عن كل دول الإقليم لتضيع الحقيقة خلف تلك الإجابة الرمادية، مما أثار حيرة سيباستيان، وهو ،على الأرجح، ما تريده الإمارات التي تعمل جاهدة هذه الأيام، بل منذ أشهر، على تحسين صورتها، باستخدام تنسيقية تقدم، وبعض الناشطين، كما تستضيف بعض الإعلاميين السودانيين، من التيار المناصر للميليشيا، وكذلك شخصيات مثيرة للجدل.
أدوات تجميل فاسدة
في مايو الماضي شهد مركز دبي التجاري العالمي مهرجان “السودان في قلب الإمارات”، والذي جاء برعاية الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح والتعايش، وغنت في ذلك المهرجان الفنانة نانسي عجاج، مما جلب لها الهجوم والتندر الواسع، خصوصاً وأن ذلك المهرجان جاء ليغطي على تقرير الخبراء، الذي تحدث صراحة عن شحنات أسلحة إماراتية تعُبر إلى السودان عبر الحدود التشادية، وقد ظهرت أيضًا صفحة على تطبيق الفيسبوك تحت اسم “الإمارات تُحب السودان” شاركت في تنظيم المهرجان مع الجالية السودانية، لكن تلك الصفحة الممولة تحولت بعد ذلك إلى الترويج للسياحة في الإمارات، دون أن تفلح في كسر موجة الغضب الشعبي تجاه أبوظبي، سيما وأنه لا يمكن أن تُشرّد الناس من بيوتهم ثم تطبطب عليهم كالأطفال!
إخفاء آثار الجريمة
من المهم الإشارة إلى أن أبوظبي تستضيف قائد المليشيا محمد حمدان دقلو وبعض أفراد أسرته منذ هروبه من الخرطوم، وتُقدم له العناية الصحية، ومعظم خطاباته يتم تسجيله ومنتجتها هنالك، كما تستضيف أيضاً إلى جانب حمدوك بعض قيادات حزب الأمة القومي، على رأسهم برمة ناصر والواثق البرير، وهم التيار الأكثر تماهياً مع مشروع تفكيك السودان من خلال دعم سيناريو التدخل الأجنبي، وتقوم أيضاً بنقل الجرحى من قوات التمرد، عبر رحلات طيران خاصة، لتلقي العلاج في مستشفياتها الحكومية.
بينما تفتأ أبوظبي تقدم الدعم العسكري والسياسي لميليشيا آل دقلو الإرهابية، تسعى جاهدة كذلك لإخفاء آثار الجريمة، وتستخدم شخصيات سودانية وتقارير قائمة على الإنكار لتجميل صورتها، وربما تجد في جموع الفارين من الحرب فريسة سهلة لكسب ودهم عبر إقامة الكوارث، فضلًا على الإقامة الذهبية التي تمنحها أحياناً لمن تجد فيهم ضالتها، أو خدمة مشروعها السياسي، ومن بينهم رجال أعمال، يتوددون إليها بالمبادرات والرسائل العاطفية، ولكن هل يُصْلِحُ العَطّارُ مَا أفسَدته شُحنات الأسلحة وجرائم الجنجويد؟
قبل أيام نشرت صحيفة (اليوم التالي) من مصادر وصفتها بالمطلعة، خبراً عن ترتيبات لعقد اجتماع بدولة الإمارات لنفي شبهات تورطها في الحرب السودانية، ودعمها لميليشيا الدعم السريع، وإعادة تقديم شخصيات مقربة من أبوظبي للمجتمع الدولي كممثلين للمدنيين السودانيين، وذلك عبر منظمة إدارة الأزمات الفنلندية (CMI).
صناعة كتلة جديدة
الصحيفة قالت إن مؤسسة مارتي أهتيساري للسلام وأكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية قدمو دعوة لحضور مناقشة مغلقة حول الوضع الحالي في السودان، والمشاركة البناءة للجهات الفاعلة الخارجية في إنهاء الحرب واستئناف العملية السياسية، وتشمل قائمة المدعوين للاجتماع، عبدالله حمدوك والذي ينعقد الاجتماع برئاسته، ونور الدين ساتي، نصر الدين عبدالباري، طه إسحق وخالد عمر يوسف، ومحمد حسن التعايشي، وخالد شاويش، وإبراهيم الميرغني، وتسعى أيضًا عبر المنظمة الفنلندية إلى إضافة وجوه جديدة من سودانيي المهجر لتخفيف الحمولة السياسية السالبة للحاضرين، وطرح مُقترح تكوين تحالف جديد يتجاوز الخلافات الحالية في أروقة تقدم بدعوة وإضافة مبارك الفاضل، ومبارك أردول وآخرين.
مبارك أردول نفى تماماً تلقيهم دعوة للمشاركة في تلك الورشة، وشدد في حوار مع موقع “المحقق” الإخباري على ضرورة عدم منح الإمارات دوراً سياسياً بهذه السهولة كأنها لم تفعل شيء، وأضاف “ما ممكن الإمارات تقدم لينا دعوة ونشيل شنطنا وطوالي نمشي ليها”.
الورشة المُزمع انعقادها في أبوظبي لإعادة تسويق الاتفاق الإطاري، وتوسيع القادة الداعمة لها تواجه تحديات كبيرة، من بينها الرفض الشعبي لتنسيقية تقدم، وكل من يضع يده مع حميدتي، وقد كشفت مظاهرات لندن الآخيرة وحصار حمدوك داخل تشاتام هاوس حجم ذلك المأزق، ما يعني أن أي جبهة سياسية تفوح منها رائحة التأمر الدولي يصعب تسويقها وسط السودانيين، لأنها سوف ترتبط في أذهانهم بمأسي الحرب، ومكافأة من يقفون خلف قوات التمرد. ولعل أكثر الردود سخرية من حملة أعضاء تقدم في الدفاع عن أبوظبي تدوينة للمناضل الثوري جعفر خضر عندما كتب على صفحته بالفيسبوك ساخراً “البرش الإمارات باللبن تقدم ترشو بالدم”.
حقيقة المنظمة الفنلندية
بالعودة إلى المنظمة الفنلندية والتي عُهد إليها رعاية التحالف الجديد، وتنسيق الجهود بين دول الغرب وأبوظبي إزاء الأزمة السودانية، فهى ليست بعيدة عن ميدان الصراع، وذلك بالرغم من أنها تدعي الحياد ظاهريًا، لكنها تتبنى أجندة سياسية في أفريقيا، وتركز برامجها على الجوانب الخاصة بالصراعات المتعلقة بالنوع الاجتماعي، ولديها رؤية استراتيجية وأنشطة سابقة بخصوص ما يحدث في السودان، مثل ورشة “الحرب في أوكرانيا – لحظة محورية في صنع سلام السودان”، وتعمل مؤسسة CMI في السودان منذ عام 2020، حيث كانت تدعم في البداية الجهود المتعلقة بالانتقال الديمقراطي وعملية السلام الأوسع في السودان، مع الحديث عن معالجة الأسباب الجذرية للصراع في السودان، فضلاً عن المشاركة الفعالة للمرأة، كما استخدمت CMI التكنولوجيا الرقمية مثل الذكاء الاصطناعي لإجراء المشاورات والحوارات الرقمية مع من تصفهم بأصحاب المصلحة في جميع أنحاء البلاد، وظلت تعمل على دعم قوى الحرية والتغيير، مروراً بالحكومة الانتقالية بقيادة حمدوك، ومن ثم تنسيقية تقدم أخيرًا، وبالتالي فإن هذه المنظمة تعمل على هدفين، كما يبدو، إنقاذ تحالف تقدم المهدد بعاصفة من الخلافات، تحت رعاية إماراتية مرة أخرى، وإعادة إنتاج المشروع الأجنبي للسيطرة على موارد السودان.
نقلا عن موقع “المحقق” الأخباري