(تقدميون نحو الانحطاط)

هشام الشواني

أكبر جماعة تآمرية نشطت في تاريخ السودان الحديث هي المجموعة التي تسمى اليوم (تقدم) قوى الحرية والتغيير سابقا، هم ليسوا حزبا بالمعنى المعروف وليسوا إئتلافا أو تكتلا سياسيا. هم أشبه بالنادي الخاص أو بالأخويات العقدية أو تجمعات غرباء الأطوار، شيء لا قواعد له ولا يمكنك أن تفهمه بسهولة، لكنهم موجودون في الإعلام والدعاية ولهم أموال وتسهيلات حركة غير معلنة المصادر.

إذا تمعنت جيدا في طبيعة هذا النادي فلن تعثر على شيء واضح يمكنك تصنيفه طبقيا أو فكريا، لكنك ستجد شتاتا منبتا فقد الارتباط بالشكل القديم، فالاتحادي هناك شيء غير تاريخ الاتحاديين، واليساري هناك مسخ مشوه من أفكار اليسار، وحزب الأمة هناك كائن غريب بلا تأدب ولا ذوق، والناشطون صفيقون رخيصون يمتلئون حقدا وكسلا، حتى من حالفهم من المؤتمر الشعبي كانوا أكثر المجموعات انحطاطا.

هذه الحالة لم تهبط من السماء بل يجب فهمها على ضوء التاريخ، وشخصيات مثل علاء نقد ونصرالدين وحمدوك وناشطون آخرون هم ظاهرة مركبة ويمثلون النموذج المثادي لنادي التقدميين. كيف نعرف هذه الظاهرة؟ وما هو تعريف هذا التقدمي؟

أولا:
هو شخص يقوم بنشاط سياسي على أساس كره وحب، عداوة وتشجيع، رفض ومناصرة وليس على أساس معقولية ومسؤولية وفكر.
ثانيا:
هو شخص يبني حبه وتشجيعه ومناصرته على ما يريده الغرب، بمعنى أنه مستقبل أصيل للدعاية الغربية ومردد لها لكنه ليس مستقبلا سلبيا بل هو مشجعا ومرسلا إيجابيا وفعالا لها. الديمقراطية عنده ليست محل تساؤل، والعلمانية كذلك أما الدين والإسلام والوطنية فهي من المتحف التاريخي. لن تجده مثلا يتساءل كجمال محمد أحمد الأفندي السوداني عن الديمقراطية في أفريقيا لأنه تقدمي لا يقرأ، لكنك ستجده يناصر ويشجع ويهتف بالشعارات والقشور، هو مستهلك للمنتجات ومقلد لكنه داعية نشط وصاحب رسالة يتفوق بها على أسيادها وهذه نسخة متقدمة من المخبرين المحليين أولئك الذين كانوا مقدمة وفود المستعمر وهم من أبناء البلد.

ثالثا: هو شخص كاره للسودان المعروف، والمعروف هو ما عرف بين الناس كبلد وأهل ومجتمع وتقاليد وغيرها. والمعروف يبقى لكنه يتطور ويتغير ويتحسن ولكن أن تكره الوطن المعروف القائم كل هذه الكراهية وأن تنبت عنه وتنقطع عنه وتصبح غريبا عنه، فهذه عين حالة هؤلاء التقدميين.

رابعا: هم أشخاص قد يمتلكون شهادات متعلمين لكنهم لا يقرأون ولا يبنون موقفهم السياسي على فكر، لديهم ثقة عمياء وديماغوغية بمستعرضات ملخصات ورش منظمات المجتمع المدني، بالنسبة لهم هي المصدر المعرفي المطلق ومنها يكتبون البيانات ويصدرون الوثائق. ماتت عندهم الأفكار هم ليسوا ليبراليين بالمعنى القديم ولا ماركسيين ولا قوميين ولا محافظين ولا إسلاميين. هم كائنات من ورش مجتمع مدني، تغذت على نفايات ليبرالية جديدة لهم ثقة مطلقة في هذا الهراء وإيمان عقدي صلب فيه.

هذا هو النادي السياسي الذي يمثل أكبر حركة تآمرية مرت بالبلاد وصاروا مهيئين لأداء هذا الدور التاريخي ليكونوا كاثوليكيين أكثر من البابا واستعماريين أكثر من المستعمر وأمريكان أكثر من بايدن ومعادين للسودان المعروف أكثر من الإسرائليين. والتاريخ لا يفسر كلية بالمؤامرة لذلك هم أساسا نتاج هذه اللحظة التاريخية المريضة والواجب علاج سياقات الانحطاط التي أنتجتهم.

Exit mobile version